يقول الله سبحانه:( إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ) وللعلماء كلام كثير في المراد بالكوثر، فقيل هو الخير الكثير، وقيل هو النبوة، وقيل غير ذلك، وأقوى ما فُسِّر به ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمّا قرأ هذه السورة قال:” أتدرونَ ما الكوثرُ”؟ قلْنا: الله ورسوله أعلم، فقال:” نهر وعَدنيه ربِّي، عليه خير كَثير، وهو حوض ترِد عليه أمَّتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيُختلجُ العبد منهم فأقول: ربِّ إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدَث بعدك” ومعنى يُختلج يُنزَع ويبعد، وروى أحمد في مسنده أن رجلاً سأل النبيّ ـ ﷺ ـ ما الكوثر؟ فقال:” نهر في الجنّة يَسيل في حوضه، لهو أشدُّ بياضًا من اللّبن وأحلَى من العسل” وجاء في صحيح البخاري أنّه ” نهر في الجنّة يَسيل في حوضِه، مجراه على الدرِّ والياقوت ” وفي سنن النسائي ” ترابُه المسك وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من اللّبن وأبرد من الثلج.
وحوض النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أكبر الحياض وأكثرها واردةً، ففي حديث الترمذي:” إن لكل نبيٍّ حوضًا، وإنهم يتباهَون بأكثرِهم واردةً، وإني أرجو أن أكون أكثرَهم واردة ” وجاء في روايات البخاري ومسلم ” أن حوض الرسول ـ ﷺ ـ مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبدًا” وفي رواية:” حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الوَرِق ” أي الفضة، وفي رواية لهما أيضًا ما يفيد أن بعض من يرِدون الحوض من أمته يُمنعون عنه ويذهب بهم إلى النار لأنّهم ارتدّوا على أدبارهم فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم، أي ضوالها. ومعناه أن الناجِيَ قليل كقِلّة الضالة من الغنم بالنسبة إلى جملتها” الزرقاني على المواهب ج 5 ص 34 ، الترغيب ج 4 ص 144 ـ 147 “.
تلك بعض الأحاديث التي فسَّرت الكوثر بأنه نهر في الجنة بهذه الأوصاف الطيِّبة، وهو يصبُّ في حوض الرسول الذي يكون في المحشر قبل دخول الجنة، وأن الذي سيشرب منه هم الثابتون على الإيمان والتقوى حتى الموت، وأن مقدار ما يشربُه المؤمن من الحوض يقدر بدرجة حُبِّه للنبي صلّى الله عليه وسلم، والحبّ له آثار في السلوك على هدى الأسوة الحسنة.