من كان يضرب عن الصيام كلية، ثم تاب فالأظهر أنه ليس عليه قضاء ولا كفارة ، وحسبه أنه تاب، قال بذلك ابن حزم، وابن تيمية، والشيخ ابن العثيمين، والشيخ الألباني.
وأما من نوى الصيام في يوم من أيام رمضان ثم أفطر فإذا كان فطره بالجماع فعليه القضاء والكفارة مع التوبة ، وإذا كان فطره بالأكل والشرب دون جماع فعليه القضاء والتوبة فقط دون كفارة.
وليس معنى هذا أن من تجرأ على تعمد الإفطار أقل إثما ممن نواه ثم ضعف أثناء النهار فغلبته شهوته، ولكن ذلك كمن حلف يمينا على أن لا يفعل شيئا، فله أن يكفر عن هذا اليمين، ويأتي ما حلف عليه، أما من حلف بالله كاذبا فلا تفيده الكفارة ولا تشرع في حقه.
ذلك أن تعمد عدم الصيام في رمضان، وتعمد الحلف كاذبا من الذنوب الكبار التي لا تمحوها الحسنات، ولا تجبرها الكفارات، ولكن لابد لها من توبة يمحو بها ذنوبها السالفة.
والكفارة على مذهب جمهور العلماء على الترتيب، أي يجب العتق، فإن عجز فصيام ستين يوما متتابعة دون فاصل، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين وجبتان مشبعتان. ويرى الدكتور القرضاوي أن الإنسان مخير بين هذه الثلاثة.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :-
الذي يوجب القضاء والكفارة على الصائم: الجماع لا غير عند الجمهور.
وقد روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: هلكت يا رسول الله، قال “وما أهلكك؟” قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: “هل تجد ما تعتق رقبة؟” قال: لا، قال: “فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟” قال: لا، قال: “فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟”، قال: لا، ثم جلس، فأتى النبيُّ ﷺ بعرق فيه تمر، فقال: “تصدق بهذا”، فقال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا! فضحك النبي ﷺ، حتى بدت أنيابه، ثم قال: “اذهب فأطعمه أهلك”.
وفي رواية البخاري: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟.
وفي رواية أبي داود قال: فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا، وفيها قال: “كله أنت وأهل بيتك، وصم يومًا، واستغفر الله” (قال النووي: وإسناد رواية أبي داود هذه جيد، إلا أن فيه رجلاً ضعفه وقد روي له مسلم في صحيحه ولم يضعف أبو داود هذه الرواية.
هل الكفارة على الترتيب أو التخيير؟.
والكفارة الواجبة في الجماع على الترتيب عند جمهور الفقهاء، أي يجب العتق، فإن عجز فالصيام فإن عجز فالإطعام.
ودليلهم: أن أكثر الروايات عن أبي هريرة تفيد أن الرسول ﷺ طلب منه أن يعتق رقبة فلما أظهر عجزه، طلب منه أن يصوم شهرين، فلما ذكر عذره، قال له: “أطعم ستين مسكينًا”، فدل ذلك أنها على الترتيب (ذكر الإمام ابن دقيق العيد في (الأحكام): أن القاضي عياضًا نازع في ظهور دلالة الترتيب في السؤال على ذلك. وقال: إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، هذا أو معناه وجعله يدل على الأولوية مع التخيير. ومما يقوي هذا الذي ذكره القاضي: ما جاء في حديث كعب بن عُجرة من قول النبي ﷺ: “أتجد شاة؟” فقال: لا. قال: “فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين” ولا ترتيب بين الشاة والصوم والإطعام، والتخيير في الفدية ثابت بنص القرآن. انظر: الأحكام -15/2، بتحقيق أحمد شاكر).
وذهب مالكوهو رواية عن أحمد – أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام، فبأيها كفّر أجزأه.
ودليل ذلك: ما رواه مالك في موطئه، ورواه عنه الشيخان، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن رجلاً أفطر يومًا من رمضان، فأمره النبي ﷺ أن يُكفِّر بعتق رقبة، أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينًا (وفيهما من حديث ابن جريج عن الزهري نحوه، وتابعهما أكثر من عشرة). وفطره كان بجماع، و (أو) تدل على التخيير، كما في كفارة اليمين.
ولأنها كفارة تجب بالمخالفة، فكانت على التخيير، مثل كفارة اليمين.
وربما يُقوِّي هذا الرأي أن النبي ﷺ لم يشدد على الرجل كثيرًا في إلزامه بالصوم برغم ما يظهر من شبابه وقوته اللذين دفعاه إلى المواقعة في رمضان، ويخشى أن يدفعاه إلى مثل ذلك في القضاء.
كما يؤيد هذا – من الناحية العملية – في عصرنا أمران:.
الأول: ضعف عزائم أكثر الناس عن صيام الشهرين المتتابعين ومشقتهما عليهم.
الثاني: انتشار الفقر في العالم الإسلامي، وحاجة كثير من المسلمين إلى الإطعام، أو قيمته عند من يجيزها.
ومذهب الجمهور:.
أن المرأة، والرجل سواء، في وجوب الكفارة عليهما، ماداما قد تعمدا الجماع، مختارين، في نهار رمضان (فإن كان الصيام قضاء رمضان، أو نذرًا وأفطر بالجماع، فلا كفارة في ذلك). ناويين الصيام.
فإن وقع الجماع نسيانًا، أو لم يكونا مختارين، بأن أكرها عليه، أو لم يكونا ناويين الصيام، فلا كفارة على واحد منهما.
فإن أكرهت المرأة من الرجل، أو كانت مفطرة لعذر وجبت الكفارة عليه دونها.
ومذهب الشافعي:.
أنه لا كفارة على المرأة مطلقًا، لا في حالة الاختيار ولا في حالة الإكراه وإنما يلزمها القضاء فقط.
قال النووي: (والأصح – على الجملة – وجوب كفارة واحدة عليه خاصة عن نفسه فقط، وأنه لا شيء على المرأة، ولا يلاقيها الوجوب، لأنه حق مال مختص بالجماع، فاختص به الرجل، دون المرأة، كالمهر) (المجموع -330/6،331). وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
قال أبو داود: (سُئل أحمد: عمن أتى أهله في رمضان، أعليها كفارة؟.
قال: ما سمعنا أن على امرأة كفارة).
قال في المغني: (ووجه ذلك: أن النبي ﷺ أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة، ولم يأمر في المرأة بشيء، مع علمه بوجود ذلك منها) ا.هـ (المغني -112/3 مطبعة العاصمة ش. الفلكي بالقاهرة).