يقول البعض إن الذي يعطي ماله للبنك ليتعامل فيه ويأخذ عليه فائدة محددة، مثله كمثل الذي يؤجر أرضه لمن يزرعها، ويأخذ عليها أجرة معلومة، ولا يضيره بعد ذلك أثمرت الأرض أم لم تثمر؟
هذا الكلام يحتوي على مغالطة بينة، وإذا أردنا أن نصوغه بلغة الفقه قلنا: إنه قياس للنقود على الأرض، وللفائدة على الأجرة.
وهذا القياس منقوض من أساسه لأن شرط صحة القياس الاشتراك في العلة، وهو معدوم هنا.
والعلة في إجارة الأرض هي الانتفاع بعينها بالزرع والغرس، والنقود لا ينتفع بعينها – مادامت نقودًا – إذ لا غرض للأشخاص في أعيانها، كما قال الإمام الغزالي بحق، وبهذا فارقت النقود الأرض الزراعية . ولا قياس مع وجود الفارق.
ومن قديم أنكر الفلاسفة الربا وجرموه ؛ لأنه بمثابة إجارة للنقود، وهي إجارة ما لا يقبل التأجير.
على أن مسألة إجارة الأرض بالنقود، ليست من المسائل المجمع عليها فقهيًا.
فهناك من فقهاء السلف من منع كراء الأرض بالذهب والفضة، وهو المذهب الذي تبناه وأيده أبو محمد ابن حزم (في المحلى) فرأى تحريم المؤاجرة، وإجازة المزارعة، وهو الذي أرجحه شخصيًا.
وهناك من أجاز المؤاجرة بالنقود، ولكن رأى وجوب وضع الجوائح عن المستأجر، يعني التنازل عن الأجرة بمقدار ما يصيب الزرع من الآفات، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في (فتاواه).