هذه المسألة لم ترد في كتاب الله ولا في الصحيحين أو السنن، وإنما خبر آحاد مرسل لا يكفر من أنكره، وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل في الأحكام العملية فكيف يجعل حجة في العقائد؟ ثم إن الرواية ليس فيها بيان للكيفية ولا للتوقيت، أما الحكمة على تقدير الصحة فهي أن المؤمن يكون من أسباب إحجامه عن السيئات حياؤه من الرسول مع الحياء من الله.
فيقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
إن هذا غير صحيح ، على أنه من أمور الآخرة أي من عالم الغيب الذي لا يبيح الدين لأحد أن يقول فيه برأيه واجتهاده ، وإنما يجب الوقوف فيه عند النصوص الثابتة عن الشارع فإذا كانت هذه النصوص قطعية كآيات القرآن العظيم كان الإيمان بما ورد فيها حكاية عن عالم الغيب واجبًا وتكذيبها كفرًا ، وإذا لم تكن قطعية كأحاديث الآحاد ولو صحيحة السند لا يكون التسليم بها واجبًا بأن تعد من أركان الإيمان التي يكفر منكرها ، فكيف يكفر من يسأل عن كيفيتها وبيانها ؟ نعم ، إن من ثبت عنده حديث في ذلك لابد أن يصدقه ويسلم بمضمونه إذا كان ممكنًا شرعًا وعقلاً أو بحمله على وجه ممكن .
ثم إن ما ثبت من النصوص عن عالم الغيب يجب أن تؤخذ على ظاهرها أي من غير اجتهاد فيها ولا بحث عن كيفية ما لم يرد في النصوص ولا بيان كيفيته ، فإذا فرضنا أن عندنا آية على أن الأعمال تعرض على النبي ﷺ بعد موته ، لم يكن لنا أن نسأل عن كيفية العرض ؛ لأنه من عالم الغيب الذي لا نعرفه وإنما نؤمن بما جاء فيه عن الله تعالى لأنه جاء عن الله تعالى ، وهذا لا يمنعنا عن البحث في فائدة إخبار الله تعالى به إذ ليس في الدين شيء إلا وهو لمنفعة الناس وإصلاح حالهم .
ولو كانت مسألة عرض الأعمال على النبي ﷺ بعد موته من قواعد الإيمان التي يكفر منكرها لما خلت كتب العقائد من ذكرها .
هذه المسألة لم ترد في كتاب الله تعالى ولا في أحاديث الصحيحين أو السنن أو المسانيد ، وإنما ورد فيها خبر آحادي مرسل عن بكر بن عبد الله المزني عند ابن سعد وهو ( حياتي خير لكم ووفاتي خير لكم تحدثون فيحدث لكم ، فإذا أنا مت عرضت علي أعمالكم فإن رأيت خيرًا حمدت الله تعالى ، وإن رأيت شرًّا استغفرت الله لكم ) وورد بلفظ آخر ، وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل في الأحكام العملية فذهب بعضهم كالشافعية إلى أنه لا يحتج به فكيف يجعل حجة في العقائد وأصول الإيمان ؟ على أن هذا معارَض بمثل حديث عائشة عند البخاري إذ قالت : وارأساه ! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك ) .. الحديث , وهو أصح سنداً ومسند لا خلاف في الاحتجاج به .
أما حكمة الإخبار بعرض الأعمال على تقدير سلامته من المعارضة وما يمنع الاحتجاج به فهي أن المؤمن بذلك إذا تذكره يكون من أسباب إحجامه عن السيئات حياء من الرسول مع الحياء من الله تعالى .