الله سبحانه وتعالى حين أباح للزوج أن يضرب زوجته لم يكن ذلك على إطلاقه ولمجرد خطأ الزوجة، ولكن شرع الضرب كوسيلة من وسائل الإصلاح عند نشوز الزوجة وإصرارها على عصيان أوامر زوجها والتعالي عليه، وهذه الوسيلة استثنائية حين لا يجدي النصح والهجر، والترتيب بين هذه الوسائل واجب عند جمهور الفقهاء، والضرب ليس انتقاما بل ضربا غير مبرح إذا كان يرجى من ورائه الإصلاح.
يقول فضيلة المستشار فيصل مولوي -رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:-
قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) آية: 34 سورة النساء .
هذه الآية من سورة النساء تبيّن أولاً رعاية الزّوج لزوجته وحمايتها وكفايتها بالنفقة عليها من ماله الخاص .
ثمّ تبيّن الآية صنفين من النساء.
الصنف الأوّل: (الصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله).
والصنف الثاني: (واللاتي تخافون نشوزهنّ).
فالأولى المرأة الصالحة والثانية المرأة الفاسدة وهي التي تمرّدت على حقوق زوجها فلم تجبه إليها .
وممّا لا شكّ فيه أنّ الحياة مع المرأة الثانية صعبة لا بدّ من إصلاحها لتعود إلى مجراها الطبيعي.
وهناك طرق لمعالجة هذا السلوك المنحرف وقد وضع القرآن الكريم خطوات على طريق إصلاحها وتقويمها .
1- الخطوة الأولى :أن يعظها ويقول لها إتّقي الله فإنّ لي عليك حقاً وارجعي عمّا أنت عليه… فإن هي لم ترجع وأصرّت على نشوزها انتقل الزّوج إلى الخطوة الثانية .
2- الخطوة الثانية: أن يهجرها فيترك جماعها أو يترك النوم في غرفتها، وإن هجرها في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، فإن هي لم ترجع وأصرّت فمن المعلوم أنّ هذا المكابرة ضرب بعرض الحائط لكلّ ما تقدّم من الوعظ والإرشاد والهجر. وهذا كلّه إذا كان هو صاحب حقّ فعلاً، وإذا كانت هي صاحبة تمرّد على حقوقه فعلاً، وهنا أصبحت هي أقرب إلى الطلاق والفراق. وهذا يؤدي إلى ضياع الأولاد وربما تشرّدهم وبالتالي يؤدي إلى دمار الأسرة وتخريبها فهو بين هذا وبين أن يقوم بالخطوة الثالثة .
3- الخطوة الثالثة: الضرب الخفيف غير المبرح كالضرب بالسواك ونحوه كما قال عطاء عسى أن تكون وسيلة ناجحة في إصلاحها وهذا الضرب لا شكّ هو شرّ ولكن هو الآن بين شرّين فاختار أهونهما ومع هذا كلّه قال الفقهاء: والأفضل ألاّ يضرب .
وإذا رجعنا إلى سيرة الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) نجد أنّه لم يستعمل الضرب مع نسائه مطلقاً وإنّما كان إذا بدر منهنّ ما يكرهه كان يخيّرهنّ بين الطلاق بالمعروف أو البقاء معه على تصحيح ما بدر منهنّ فكنّ يخترن النبي (صلَى الله عليه وسلَم) ويعتذرن عمّا بدر منهنّ. وتارة يحرّم شيئاً من الحلال على نفسه بسبب سؤء تصرّف تجاهه من بعض نسائه كما حرّم العسل على نفسه فنزلت الآية بسبب ذلك: (يا أيها النبيّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك…) سورة التحريم .
ويتبيّن من خلال سيرته عليه الصلاة والسلام أنّه لمّا رفع إليه النساء أنّ أزواجهنّ يضربنهنّ قال: “لا يضرب خياركم “.
كما أوصى بالصّبر على المرأة وتحمّلها على اعوجاج مسلكها إن حصل و الآيات والأحاديث كثيرة وفي حجّة الوداع وهي آخر حجّة حجّها عليه الصلاة والسلام وبعدها توفي. خطب بالناس خطبة الوداع على جبل عرفات وقال فيما قال:” أيها الناس استوصوا بالنساء خيراً فإنّهنّ عوان عندكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله فاستوصوا بالنساء خيراً.” كما أنّني شخصيا:ً لا أفتي بضرب النساء رغم جوازه بشروطه المذكورة لأنّ هناك طرقا أخرى كثيرة تغني عنه خاصّة في المرأة المعاصرة.