يجوز صرف الزكاة لبناء المسجد ونحوه من وجوه البر التى ليس فيها تمليك ؛أخذًا برأى بعض فقهاء المسلمين الذى أجاز ذلك استدلالاً بعموم قوله تعالى { وفى سبيل اللّه } من آية { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية وإن كان مذهب الأئمة الأربعة على غير ذلك .
وما ذكرناه مذكور فى تفسير هذه الآية للإمام فخر الدين الرازى ونص عبارته ( واعلم أن ظاهر اللفظ فى قوله تعالى ( وفى سبيل اللّه) لا يوجب القصر على كل الغزاة فلهذا المعنى نقل القفال فى تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله وفى سبيل اللّه عام فى الكل ) انتهت عبارة الفخر ولم يعقب رحمه اللّه على ذلك بشىء.
وقد جاء فى المغنى لابن قدامة بعد أن قال ولا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر اللّه تعالى من بناء المساجد والقناطر والجسور والطرق فهى صدقة ماضية والأول أصح لقوله سبحانه وتعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين وإنما للحصر والإثبات ؛تثبت المذكور وتنفى ما عداه انتهى.
وظاهر أن أنسا والحسن يجيزان صرف الزكاة فى بناء المسجد لصرفها فى عمل الطرق والجسور وما قاله ابن قدامة فى الرد عليهما غير وجيه لأن ما أعطى فى الجسور والطرق مما أثبتته الآية لعموم قوله تعالى { وفى سبيل اللّه } وتناوله بكل وجه من وجوه البر كبناء مسجد وعمل جسر وطريق .
ولذلك ارتضاه صاحب شرح كتاب الروض النضير إذ قال ( وذهب من أجاز ذلك أي دفع الزكاة فى تكفين الموتى وبناء المساجد إلى الاستدلال بدخولهما فى صنف سبيل اللّه إذ هو أي سبيل اللّه طريق الخير على العموم وإن كثر استعماله فى فرد من مدلولاته وهو الجهاد لكثرة عروضه فى أول الإسلام كما فى نظائره ولكن لا إلى حد الحقيقة العرفية فهو باق على الوضع الأول فيدخل فيه جميع أنواع القرب على ما يقتضيه النظر فى المصالح العامة والخاصة إلا ما خصه الدليل وهو ظاهر عبارة البحر فى قوله قلنا ظاهر سبيل اللّه العموم إلا ما خصه الدليل انتهت عبارة الشرح المذكور .
والخلاصة أن الذى يظهر لنا هو ما ذهب إليه بعض فقهاء المسلمين من جواز صرف الزكاة فى بناء المساجد ونحوه فإذا صرف المزكي الزكاة الواجبة عليه فى بناء المساجد سقط عنه الفرض وأثيب على ذلك .