منطقة البحر الميت كان فيها مصرع قوم لوط عليه السلام، ويجوز الذهاب إلى هذه الأماكن إذا كان بقصد العظة والاعتبار، مع ضرورة الالتزام بالواجبات والبعد عن المنكرات‘ فإذا علم المسلم من نفسه ضعفا فعليه ألا يعرض نفسه للفتن وأن يختار السلامة لدينه.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
منطقة البحر الميت هي المنطقة التي كان يسكنها قوم لوط عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن قوم لوط كذبوا نبيهم لوط، وأن الله عاقبهم بـتـدمـير قـراهـم، ومدنهم كما قال الله تعالى: (قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ) سورة هود الآيتان 81-82 .
والمطلوب من المسلم أن يتعظ ويعتبر مما أصاب الذين ظلموا أنفسهم، ومنهم قوم لوط كما قال تعالى: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة الصافات الآيات 133-138 .
وقد ثبت عن الرسول ﷺ أنه نهى عن الدخول على الأقوام المعذبين إلا إذا كان المسلم باكياً ومتعظاً، فإن لم يكن حاله كذلك، فلا يدخل، فقد روى البخاري، ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال :( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم ).
قال الحافظ ابن حجر: (ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكير، والاعتبار، فكأنه أمره بالتفكير في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض، وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم، وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب، فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والمتفكر أيضاً في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر، وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به، والطاعة له فمن مر عليهم، ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بأحوالهم، فقد شابههم في الإهمال، ودلّ على قساوة قلبه، وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم، فيصيبه ما أصابهم ] شرح السنة 2/77 .
وقال الإمام الخطابي: (معناه أن الداخل في دار قوم هلكوا بخسف، أو عذاب إذا لم يكن باكيا إما شفقة عليهم وإما خوفاً من حلول مثلها به كان قاسي القلب قليل الخشوع، فلا يأمن إذا كان هكذا أن يصيبه ما أصابهم) شرح السنة 14/362 .
وقد ثبت عن الرسول ﷺ أنه لما مر بديار ثمود مرّ مسرعاً لم ينزل فيها، فقد جاء في رواية لحديث ابن عمر قال: (مررنا مع النبي ﷺ على الحجر-ديار ثمود-فقال لنا رسول الله ﷺ : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها ) رواه مسلم، وقوله: زجر أي زجر ناقته وحثها على المسير.
وبناء على ما سبق أرى أنه لا ينبغي الذهاب إلى منطقة البحر الميت في رحلات ترفيهية لأن من يذهبون في هذه الرحلات أبعد ما يكونون عن البكاء والاتعاظ والاعتبار، ويضاف إلى ذلك ما في تلك المناطق من المنكرات والمحظورات التي توجد عند شواطئ البحار من عري وتهتك واختلاط وفساد وإفساد.