الملاكمة من الرياضات التي حرمها الإسلام للعنف الذي فيها وهذا حكمها للرجال وهي أشد حرمة للنساء، لما فيه من كشف العورات التي أمر الشارع بسترها، كما أن بنية المرأة لا تتحمل مثل هذه الرياضات العنيفة وعلى المرأة أن تختار من الرياضة ما يناسب طبيعة جسمها، ويحقق لها الاحتشام والتستر.
يقول أ.د. صلاح الصاوي أمين مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية:
فإن الملاكمة بصورتها الحالية لا تجوز لا من الرجال ولا من النساء لقيامها على أساس استباحة الإيذاء بين المتنافسين، وفرح المشاهدين بما أصاب المتضرر من الأذى الذي قد يبلغ مبلغ الإصابات الحادة والتي قد تخلف عاهات مستديمة، ومثل هذا النوع من الرياضة تحرمه عموم النصوص التي تنهى عن الضرر والضرار والتي تحرم الإلقاء باليد إلى التهلكة، ويزداد النهي ويتأكد إذا كان ذلك بين النساء؛ لما يتضمنه من الضرر الذي لا تحتمله بنية المرأة من ناحية، ولما يترتب عليه من كشف العورات بمشهد من آلاف المشاهدين، وهو الأمر الذي تقطع النصوص بتحريمه.
وقد صدر من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بتحريم الملاكمة،وهذا نصه:
القرار الثالث بشأن موضوع ( الملاكمة والمصارعة الحرة ومصارعة الثيران):
يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلا في حلبات الرياضة والمسابقة اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغا في جسمه قد يصل به إلى العمى أو التلف الحاد أو المزمن في المخ أو إلى الكسور البليغة، أو إلى الموت، دون مسئولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كليا وجزئيا في حكم الإسلام؛ لقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وقوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وقوله ﷺ ” لا ضرر ولا ضرار “.
على ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له: ( اقتلني ) أنه لا يجوز له قتله، ولو فعل كان مسئولا ومستحقا للعقاب. وبناء على ذلك يقرر المجمع أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضة بدنية، ولا تجوز ممارستها لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر، ويجب أن تحذف من برامج الرياضة المحلية ، ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية، كما يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية كي لا تتعلم الناشئة هذا العمل السيئ وتحاول تقليده.
ولا ينبغي أن يفهم ذلك على أنه نهي مطلق عن ممارسة المرأة حقها في المحافظة على لياقة بدنها بالرياضة ولكنها تختار من ذلك ما يكون مناسبا لرقة بنيتها من ناحية، وما ينآي بها عن كشف العورات، وإبراز المفاتن أمام الأجانب من ناحية أخرى كرياضة المشي ونحوه، والتي تعتبر انفع ما تكون لكل من الرجال والنساء على حد سواء، وقد حددته منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بعشرين دقيقة يومياً.
وقد جاء في ” المسند ” وسنن أبي داود ” و ” ابن ماجة ” عن هشام بن عروة، عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر، قالت: فسابقته، فسبَقْتُهُ على رِجْلَيَّ، فلما حملت اللحم سابقته؛ فسبقني، فقال: ” هذه بتلك السبقة. ولكن هذه المسابقة تمت في إطار من الحشمة الكاملة نلحظ هذا من الرواية الأخرى لهذه الواقعة، ففي مسند الإمام أحمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: خرجتُ مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: ” تقدَّمُوا ” فتقدَّموا، ثم قال لي: ” تعالى حتى أسابقك ” فسابقته فسبقتُهُ، فسكت عنى، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: ” تقدموا ” فتقدموا، ثم قال: ” تعالى حتى أسابقك ” فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: ” هذه بتلك “.