من المعروف للكافة أن النبي -ﷺ- كان أجود الناس لعظيم ثقته بالله، وكامل توكله عليه. ولمعرفته بقدر الدنيا، وزهده فيها، وترفعه عليها. فما من جواد إلا والنبي -ﷺ- أجود منه نفسا، وأسخى منه يدا، وما من كريم إلا وهو مع كرمه يخشى الفقر، إلا النبي -ﷺ- فإنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكيف يخشى الفقر، وهو الغني بالله عن خلقه، الواثق بصادق وعده للمنفقين الأسخياء، بل إن النبي -ﷺ- كان في ذلك المثل الأعلى الذي لا يدرك والقدوة الحسنة التي لا تُنال، وما سأله أحد مسألة ورده، بل أعطاه فوق ما كان يتوقع أو يمني به نفسه، فإن لم يكن لديه ما يعطيه أمره أن يستدين على حسابه.
فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: “ما سئل رسول الله عن الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخش الفقر….” رواه مسلم.
وأما في رمضان فقد كان النبي -ﷺ- ينفق على نفسه في هذا المضمار. فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: “أن النبي -ﷺ- كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله -ﷺ- أجود بالخير من الريح المرسلة.
“أما سبب تفوق النبي -ﷺ- على نفسه في مجال الكرم والسخاء في رمضان، فإن المتأمل في هذا الحديث الصحيح ليدرك أن ذلك راجع إلى عدة أمور أهميها:
لقاء سيدنا جبريل ـ عليه السلام ـ فهذه متعة روحانية عظيمة حيث يلتقي سيد الرسل بسيد الملائكة وأمين الوحي.
وفي هذا اللقاء تتم مدارسة القرآن الكريم، الذي أنزله الله -عز وجل- على قلب نبيه الكريم محمد -ﷺ- وحمله أمين الوحي جبريل -عليه السلام-، فهذه متعة روحانية أخرى.
وفي رمضان يكون النبي -ﷺ- صائما بالنهار، قائما بالليل، فهذه متعة روحية ثالثة أي أن أسباب السعادة: تتوارد على النبي -ﷺ- في هذه الشهر متضاعفة ومتكاثرة، فيزداد بذلك سرورا وفرحا، وينعكس ذلك على تصرفاته الكريمة، فلهو في هذه الحالة سريع إلى الخيرات، لا يبعده عنها شيء، كالريح المرسلة التي لا يمنعها مانع من حمل الخير والنماء إلى كل من تمر به من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد.