ينبغي أن يعلم المسلم أن البنوك التي تتوسط في بيع السيارات من الممكن أن يأخذ توسطها هذا صورتين :-
الصورة الأولى :-أن يقوم البنك بإقراض من يريد شراء السيارة ثمن السيارة بضمان السيارة ذاتها أو بأي ضمان آخر مقابل فائدة ربوية ، ويتم تحويل هذا القرض للجهة صاحبة السيارة- للمعارض مثلا-فهذا ربا لا يجوز ، وهذا ما تقوم به البنوك الربوية العادية . وقد تسقط فيه بعض البنوك الإسلامية، بسبب استسهال موظفيها!!
الصورة الثانية : أن يقوم البنك بامتلاك السيارة ، ثم يقوم ببيع السيارة لمن يريد بالتقسيط ، وهذه الصورة لاشيء فيها لو فرضنا أنها موجودة ، والبنوك التي تتعامل بهذه الصورة هي البنوك الإسلامية .
وينبغي التأكد من أن البنك يشتري السيارات فعلا، كما ينبغي التأكد أن البنك لا يبيع إلا بعد التملك الفعلي.
ولا بد من تسجيل السيارة باسم البنك قبل بيعها للمشتري، واكتفى بعض العلماء بكتابة عقد ابتدائي بين صاحب السيارة وبين البنك دون الحاجة إلى التسجيل لكن التسجيل أولى خروجا من الخلاف.
وعلى أية حال فيجب نقل ملكية السيارة إلى البنك، ونقل كافة مستنداتها إلى البنك قبل أن يقوم ببيعها. ولا يقوم بهذا إلا البنوك الإسلامية عادة.
والبنوك غير الإسلامية في مثل هذه الحالات لا تشتري السيارة، ولكنها تقرض من يريد شراء السيارة ثمن شرائها، وتدفع قيمة القرض لمالك السيارة بضمان السيارة، وتأخذ زيادة ربوية في مقابل هذا الإقراض، فيكون المعرض قد باع السيارة للعميل بمبلغ نقدا إلا أن العميل لا يستطيع توفير هذا المبلغ نقدا، فيقرضه البنك هذا المبلغ، ويتم تحويل هذا المبلغ من البنك للمعرض مباشرة دون أن يتسلمه العميل، ويكون البنك هنا مجرد ممول ، ويتلقى فائدة ربوية مقابل هذا القرض وهذا ربا حرام.
خطوات بيع المرابحة
إذا أراد أي بنك أن يبيع سيارة عن طريق ببيع المرابحة، فلهذا البيع خطوات لا بد أن تمر من خلالها حتى تكون الصورة مشروعة، وإلا كانت مجرد تمويل ربوي.
وهذه الخطوات هي :-
أ-طلب من العميل يقدمه للمصرف لشراء سلعة موصوفة.
ب-قبول من المصرف لشراء السلعة الموصوفة.
ج-وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملك المصرف لها.
د-وعد من المصرف ببيع السلعة الموصوفة للعميل .
هـ-شراء المصرف للسلعة الموصوفة نقداًَ، ( نلاحظ المصرف هو الذي يقوم بالشراء لنفسه دون تدخل من العميل، ويقوم بحيازتها، وبعض العلماء يجيز هنا أن يوكل البنك العميل في عملية الشراء هذه، أي أن يحصل العميل على عقد وكالة من البنك له بمقتضاه يشتري العميل السيارة من صاحبها للبنك وليس لنفسه، ولكن مجمع الفقه كره هذه الوكالة لما فيها من معنى الصورية)
و-بيع المصرف للسلعة الموصوفة بعد شرائها وحيازتها للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها بين المصرف والعميل.
فإذا قبل البنك بأن يبيع السيارة مرورا بهذه الخطوات فلا مانع من ذلك شرعا إسلاميا كان البنك أو غيره.
والذي نحب أن نبينه الآتي:-
أولا: أن هذه الخطوات لا بد أن تكون مرتبة، وليس شرطا أن تتم من خلال عقود مكتوبة، فلا مانع من المرور بها شفويا، على أن تكون الخطوة الأخيرة هي بيع السيارة بعد أن يتملكها البنك بالفعل.
فإذا أعطى البنك المال بيد الشخص على أن يشتري به السيارة التي يريدها فهذا لا يجوز، ويكون صورة ربوية، سواء أكان القرض باسمه أو باسم السيارة.
ثانيا:-يجب أن تكون هذه الأرباح المئوية غير منصوص عليها بالعقد مفصولة عن الربح، ولكن لا مانع من أن التفاهم مع مندوب البنك بهذه الطريقة دون أن يسجل ذلك في العقد، أعني أن حساب الربح بالنسبة المئوية لا شيء فيه شرعا، بشرط أن يتفق البنك والبائع على مدة زمنية معينة للتقسيط عند التعاقد، ولا يتركا ذلك للمشيئة والظروف بعد العقد.
فإذا قال البنك للشخص : أريد أن أربح في الشهر كذا، واقض كيف شئت فعليه أن يختار من هذه اللحظة المدة الزمنية، ولا يجوز تعديلها بعد العقد، وإلا كان الأمر مجرد صورة ربوية .
كيف يتم بيع المرابحة عن طريق البنك
يقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا هذه المسألة في صورة مثال عملي :-
أريد أن أصور المسألة تصويراً مبسطاً في صورة واقعة عملية ، ليمكن إصدار الحكم فيها بعد تصورها .
ذهب زيد من الناس إلى المصرف الإسلامي و قال له : أنا صاحب مستشفى لعلاج أمراض القلب ، و أريد شراء أجهزة حديثة متطورة لإجراء الجراحات القلبية ، من الشركة الفلانية بألمانيا أو بالولايات المتحدة .
و ليس معي الآن ثمنها ، أو معي جزء منه و لا أريد أن ألجأ إلى البنوك الربوية لأستلف عن طريقها ما أريد و أدفع الفائدة المقررة المحرمة ، فهل يستطيع المصرف الإسلامي أن يساعدني في هذا الأمر دون أن أتورط في الربا ؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن أدفع له الثمن بعد مدة محددة ، فأستفيد بتشغيل مستشفاي ، و يستفيد بتشغيل ماله ، و يستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون ؟
قال مسئول المصرف : نعم يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الأجهزة بالمواصفات التي تحددها ، و من الجهة آلتي تعيَّنها ، على أن تربحه فيها مقداراً معيناً أو نسبة معينة ، و تدفع في الأجل المحدد ، و لكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة و يحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله ، حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل ، فكل ما بين المصرف و بينك الآن تواعد على البيع بعد تملك السلعة و حيازتها .
قال العميل : المصرف إذن هو المسئول عن شراء الأجهزة المطلوبة و دفع ثمنها و نقلها و شحنها ، و تحمل مخاطرها ، فإذا هلكت هلكت على ضمانه و تحت مسئوليته ، و إذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة الرد بالعيب ، كما هو مقرر شرعاً .
قال المسئول : نعم بكل تأكيد . و لكن الذى يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ، و يجيبك إلى طلبك بشراء الأجهزة المطلوبة ، فإذا تم شراؤها و إحضارها ، أخلفت وعدك معه . و هنا قد لا يجد المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة من يحتاج إليها ، أو قد لا يبيعها إلا بعد مدة طويلة ، و في هذا تعطيل للمال ، و إضرار بالمساهمين والمستثمرين الذين ائتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لأموالهم .
قال العميل صاحب المستشفى : إن المسلم إذا وعد لم يخلف ، و أنا مستعد أن أكتب على نفسي تعهداً بشراء الأجهزة بعد حضورها بالثمن المتفق عليه الذى هو ثمن الشراء مع المصاريف و الربح المسمى مقداراً أو نسبة كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي ، لكن ما يضمن لي ألا يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر ، أو غلت السلعة المطلوبة في السوق غلاء بيناً ؟
قال المسئول : المصرف أيضاً ملتزم بوعده ، و مستعد لكتابة تعهد بهذا ، و تحمل نتيجة أي نكول منه .
قال العميل : اتفقنا .
قال المسئول : إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا ، في صورة طلب رغبة و وعد منك بشراء المطلوب ، و وعد من المصرف بالبيع . فإذا تملك المصرف السلعة و حازها وقعنا عقداً آخر بالبيع على أساس الاتفاق السابق .
هذه هي الصورة آلتي اشتهر تسميتها باسم (بيع المرابحة للآمر بالشراء ) و هي التي ثار حولها الجدل ، و كثر القيل و القال .
و هذه الصورة إذا حللناها إلى عناصرها الأولية ، نجدها مركبة من وعدين : وعد بالشراء من العميل الذى يطلق عليه : الآمر بالشراء . و وعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة ( أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول ، أو الثمن و الكلفة ) و هذا هو المقصود بكلمة المرابحة هنا .
و قد اختار المصرف و العميل كلاهما الالتزام بالوعد ، و تحمل نتائج النكول عنه . كما تتضمن الصورة : أن الثمن الذى اتفق عليه بين المصرف والعميل ثمن مؤجل ، والغالب أن يراعى في تقدير الثمن مدة الأجل ،كما يفعل ذلك كل من يبيع بالأجل .
هذه هي عناصر العملية آلتي اشتهرت باسم “بيع المرابحة” ، وأنا لا أقف عند التسمية كثيراً ؛ لأنه لا عبرة بالأسماء إذا وضحت المسميات ، فمن حقنا أن نطلق عليها إن شئنا اسماً جديداً، و أن نعتبرها بمجموع عناصرها صورة جديدة من معاملات هذا العصر فهي ليست أكثر من مُوَاعَدَة على البيع لأجل معلوم ، بثمن محدد ، هو ثمن الشراء مضافاً إليه ربح معلوم ، تزيد نسبته أو مقداره عادة كلما طال الأجل . و لكنه ثمن معلوم من أول الأمر .
فماذا ينكر من هذه العملية آلتي أقرتها هيئات الرقابة الشرعية لأكثر من بنك إسلامي ، و أقرها كذلك مؤتمران للمصارف الإسلامية ؟ و صدر بها أكثر من فتوى مكتوبة ؟
ثم قال الدكتور القرضاوي مبينا جواز هذه المسألة :-
فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت (جمادى الآخرة 1403 هـ ، مارس1983 م )
اجتمع هذا المؤتمر في مدينة الكويت بتاريخ 6-8 جمادى الآخرة 1403 هـ الموافق 21-23 مارس سنة 1983 م ، و شاركت فيه اثنتا عشرة مؤسسة مالية إسلامية و حضره عدد من كبار العلماء ، و قدمت فيه مجموعة من الأبحاث ، وبعد مناقشتها و اجتماع لجنة العلماء المحكمين ، صدرت عن المؤتمر عدة توصيات ، يتعلق بموضوعنا منها التوصيتان : الثامنة و التاسعة و نصهما :
يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة و حيازتها ، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق ، هو أمر جائز شرعاً ، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم ، و تبعه الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي .
و أما بالنسبة للوعد و كونه ملزماً للآمر أو للمصرف أو كليهما ، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل و استقرار المعاملات ، و فيه مراعاة لمصلح المصرف و العميل . و إن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا ، و كل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه .
يرى المؤتمر أن الأخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط ألا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بمقدار الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول – أي الرجوع -.