التفكر:
عندما نتفكر في النعم فهذا دافع إلى أن نتفكر في المنعم بها علينا ولاننشغل بها عنه ، ولذا قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) والقرآن يعلمنا طريقة التفكير الصحيحة فيقول عز وجل: ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ).
فالتفكير الصحيح يقتضي التجرد من الأهواء والعصبيات وهذا معنى قوله تعالى ( ان تَقُومُوا لِلَّهِ) كما ينبغي أن يتم بعيدا عن تأثير الغوغاء حتى لا يتأثر بما يشيع من رأي قد لا يكون صوابا، لهذا فالتفكير يكون فرديا أو ثنائيا ( مَثْنَى وَفُرَادَى).
والفكرة- كما يقول ابن القيم –
–منها ما يتعلق بالعلم والمعرفة: وهي فكرة التمييز بين الحق والباطل.
–ومنها ماتتعلق بالطلب والإرادة: هي الفكرة التي تميز بين النافع والضار.
ثم يترتب عليها فكرة أخرى في الوسيلة إلى حصول ما ينفع، فيسلكها، والوسيلة إلى ما يضر فيتركها.
فهذا التفكير يساعدنا على حسن التعامل مع نعم الله ومع الخير الذي أفاءه الله علينا . عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أَخْوَفُ ما أخافُ علَيْكُم ما يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنْيا قالوا: وما زَهْرَةُ الدُّنْيا؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: بَرَكاتُ الأرْضِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَأْتي الخَيْرُ بالشَّرِّ؟ قالَ: لا يَأْتي الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، لا يَأْتي الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، لا يَأْتي الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، إنَّ كُلَّ ما أنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ، أوْ يُلِمُّ، إلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ، فإنَّها تَأْكُلُ، حتَّى إذا امْتَدَّتْ خاصِرَتاها اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ وبالَتْ وثَلَطَتْ، ثُمَّ عادَتْ فأكَلَتْ، إنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أخَذَهُ بحَقِّهِ، ووَضَعَهُ في حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، ومَن أخَذَهُ بغيرِ حَقِّهِ، كانَ كالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ” رواه البخاري ومسلم.
فالنعمة قد تسعد وقد تشقي من خلال طريقة تصريفها كما يبدو في المثل الذي ضربه النبي ﷺ
البصيرة ووضوح الرؤية:
وعندما يتفكر الإنسان تنكشف له رؤية قلبية للحقائق تسمى البصيرة ؛ وهي نور يقذفه الله في القلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل. كأنه يشاهده رأي عين. فيتحقق -مع ذلك- انتفاعه بما دعت إليه الرسل، وتضرره بمخالفتهم.
والقرآن يوجهنا إلى أن تكون حركتنا في الأرض مهتدية بهذه الرؤية ويعتبر العمى الحقيقي هو عمى القلب ، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور )
كما يحملنا مسؤوليتنا الشخصية عن البصر بالحقائق التي جاءتنا من الوحي قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظ ).
هذه البصيرة نرى بها قيم الأشياء الحقيقية ؛ فالعين قد ترى مظاهر الغني في كثرة المال لكن البصيرة ترى الغنى الحق داخل النفس كما جاء في حَدِيث أَبِي ذَرّ ” قَالَ لِي رَسُول اللَّه يَا أَبَا ذَرّ أَتَرَى كَثْرَة الْمَال هُوَ الْغِنَى ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ : وَتَرَى قِلَّة الْمَال هُوَ الْفَقْر ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْب , وَالْفَقْر فَقْر الْقَلْب ؛ من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا وإنما يضر نفَسه شحُها “
َقَالَ الطِّيبِيُّ : يُمْكِن أَنْ يُرَاد بِغِنَى النَّفْس حُصُول الْكَمَالات الْعِلْمِيَّة وَالْعَمَلِيَّة , فيَنْبَغِي أَنْ يُنْفِق أَوْقَاته فِي الْغِنَى الْحَقِيقِيّ وَهُوَ تَحْصِيل تلك الكَمَالات .
إننا نحتاج إلى هذه البصيرة لنكون أهلا لحمل رسالة الدعوة كما قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
اشحذ عزمك !!
والعزم ناتج عن وضوح الرؤية أوالبصيرة ؛ومعناه القصد الجازم المتصل بالفعل. فالشروع في الحركة ناشئ عن العزم وحقيقته : استجماع قوى الإرادة على الفعل مما يبعث على السلوك بلا توقف، ولا تردد.
قال تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) ويستطيع الإنسان أن يستجمع قوى الإرادة بما يرجوه من خير الدنيا والآخرة كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )
فاستحضار المسلم لما وعد الله الصالحين من أجر ومثوبة يشحذ فيه روح العزم : لذا كان رسول الله ﷺ يرغب الناس ويبشرهم ليستحث عزمهم ليس فقط في العمل الواجب فحسب بل والعمل التطوعي :
فعَن آبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ “(“مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( أي نوعين الواجب والتطوع ) نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحـــَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كـــُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِـــنْهُم “)” وننظر هنا إلى عزيمة أبي بكر الذي يرجو أن ينادى من كل أبواب الخير كما يبدو من سؤاله :( فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا ).