تمليك المسلم لأي شيء في حياته ويكون مضافا لما بعد الموت فإنه يدخل في نطاق الوصية الشرعية ، وهي جائزة شرعا على أن لا تزيد عن الثلث إذا كان للميت ورثة.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي:-
الوصية الشرعية مقيدة بقيدين :
1 – أن تكون في حدود الثلث ” والثلث كثير ” كما في الحديث الصحيح. (متفق عليه عن سعد بن أبي وقاص . انظر : اللؤلؤ والمرجان 1053) .بل قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو غض الناس إلى الربع ! ؛ لأن رسول الله -ﷺ- قال : ” الثلث والثلث كثير أو كبير . (متفق عليه كما في اللؤلؤ والمرجان 1054).
ومعنى ” غض ” أي نقص . و ” لو ” للتمني، أي أنه يتمنى لو أن الناس نقصوا الوصية من الثلث إلى الربع فيكون أولى لدلالة الحديث.
2- ألا تكون لوارث، لحديث ” لا وصية لوارث “. (رواه الدارقطني عن جابر وهو في صحيح الجامع الصغير 7441).
فإن كانت الوصية لوارث فهي محرمة باتفاق العلماء ؛ إلا إذا أجازها بقية الورثة ؛ لأن المنع إنما هو لحقهم فإذا أجازوا الوصية فقد تنازلوا عن حقهم.
وإذا لم يجيزوها، فلا يجوز أن تنفذ ؛ لأنها عمل على غير ما أمر النبي -ﷺ- فهو مردود على من فعله.انتهى.
ما المقدار التي يجوز فيه الوصية:
يقول الشيخ سيد سابق من علماء الأزهر الشريف وصاحب كتاب فقه السنة – رحمه الله- :-
روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء النبي ﷺ يعودني، وأنا بمكة – وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها – قال: يرحم الله ابن عفراء. قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله. قال: لا. قلت: فالشطر (الشطر: النصف)؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع (تدع تترك) ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة (عالة: فقراء) يتكففون (يتكففون الناس: يبسطون للسؤال أكفهم) الناس في أيدهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ (فيّ: الفم) امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك أناس ويُضَر بك آخرون، ولم تكن له يومئذ إلا ابنه”(كان هذا قبل أن يولد له الذكور. وقد ولد بعد ذلك أربعة بنين. ذكره الواقدي، وقيل : أكثر من عشرة ومن البنات ثنتا عشرة بنتًا).
وذهب جمهور العلماء إلى أن الثلث يحسب من جميع المال الذي تركه الموصي. وقال مالك: يحسب الثلث مما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به. وهل المعتبر الثلث حال الوصية أو عند الموت؟
ذهب مالك والنخعي وعمر بن عبد العزيز أن المعتبر ثلث التركة عند الوصية. وذهب أبو حنيفة وأحمد والأصح من قولي الشافعي إلى اعتبار الثلث حال الموت. وهو قول علي وبعض التابعين.
الوصية بأكثر من الثلث:
الموصي إما أن يكون له وارث أو لا. فإن كان له وارث فإنه لا يجوز له الوصية بأكثر من الثلث كما تقدم؛ فإن أوصى بالزيادة على الثلث فإن وصيته لا تنفذ إلا بإذن الورثة، ويشترط لنفاذها شرطان:
1- أن يكون بعد موت الموصي لأنه قبل موته لم يثبت للمجيز حق فلا تعتبر إجازته، وإذا أجازها أثناء الحياة كان له الرجوع عنها متى شاء. وإن أجازها بعد الحياة نفدت الوصية. وقال الزهري وربيعة: ليس له الرجوع مطلقًا.
2- أن يكون المجيز وقت الإجازة كامل الأهلية غير محجور عليه لسفه أو غفلة. وإن لم يكن له وارث فليس له أن يزيد على الثلث أيضًا. وهذا عند جمهور العلماء. وذهب الأحناف وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود، إلى جواز الزيادة على الثلث. لأن الموصي لا يترك في هذا الحال من يخشى عليه الفقر ولأن الوصية جاءت في الآية مطلقة. وقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على إطلاقه .