حديث “الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب” حديث موضوع لا أصل له، وعلى هذا فالكلام في أمور الدنيا وكذا الضحك والمزاح وإنشاد الشعر في بيوت الله كل هذا جائز ولا حرج في ذلك، بشرط ألا يكون في ذلك تشويش على المصلين، وألا يكون هناك إسراف في الحديث بحيث يؤدي إلى الانشغال عن الذكر وتلاوة القرآن والصلاة وهو ما بنيت من أجله المساجد.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر –رحمه الله تعالى-:
جاء في كتاب “غذاء الألباب” للسفاريني قوله: وأما ما اشتُهِر على الألسنة من قولهم: إنَّ النبي ـ ﷺ ـ قال: “الحديث في المسجد ـ وبعضهم يُزيد المُباح ـ يأكل الحسناتِ كما تأكل النَّار الحَطب” فهو كذب لا أصل له.
قال في المُختصر: لم يُوجد. وذكره القاضي في موضوعاته، كما ذكر العراقي على الإحياء: أنه لا أصل له . لكن روى ابن حِبان في صحيحه أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “سيكونُ في آخرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة” وظاهر الحديث أن الكلام في المسجد أيًّا كان نوعه مَمْنوع، لكن المُحَقِّقين من العلماء قالوا: إنه يجوز في الأمور المُهمة في الدِّين والدُّنيا من كل ما لا حُرْمَة فيه ولا باطل.
وقد رأى الإمام النووي جواز الحديث العادي وإن صحبه ضحك خفيف، لما رواه مسلم: كان رسول الله ـ ﷺ ـ لا يقوم من مُصَلَّاه الذي صلَّى فيه الصبح حتى تطلُع الشمس، فإذا طلعت قام. وقال: كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم.
وفي رواية أحمد عن جابر: شهدت النبي ـ ﷺ ـ أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما يبتسم معهم، وهو حديث صحيح “نيل الأوطار للشوكاني جـ 2 ص 166”.
فالحديث الممنوع هو الباطل الذي يُشَوِّش على المُصلين، أو الذي يذهب بكرامة المسجد إذا تناوله جماعة في شكل حلقات كما نصَّ عليه.
وقد أَذِنَ ـ ﷺ ـ لحسان بن ثابت أن يقول الشِّعر في المسجد ليردَّ على الكافرين ما يفترونه من كَذِبٍ على اللهِ وَرَسُولِهِ، كما ثبت في الصحيحين.
وعليه فالكلام المُباح غير مُحَرَّمٍ في المساجد، وإن كنا ننصح بأن يكون في أضيق الحدود… وليكن شُغل الجالسين فيها ذِكْر الله والعبادة فذلك ما بُنيت له المساجد.