القانون ينص على أن العقد الموقع بين البنك وبين صاحب المال هو عقد قرض وليس عقد استثمار ، والقرض ليس عقدا استثماريا يدر ربحا على صاحبه ، كماأن القانون يحظر على البنوك أن تمارس أي نوع من أنواع الاستثمار ، ولكنه يفرض عليها أن تتاجر في الأموال إقراضا واقتراضا .
قرار مجمع البحوث الإسلامية في القرض والرد عليه:
يقول الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي:-
اطلعت على قرار مجمع البحوث الإسلامية ،والذي كان معظم أعضائه من علماء الحديث والتفسير، وليس من علماء الفقه أو الاقتصاد ،وقد خرج القرار بجواز فوائد البنوك ، وكانت حيثيات الجواز كالآتي:
1 ـ أن الفوائد البنكية قائمة على عقد الوكالة بين البنك والعميل ، فالبنك وكيل عن العميل .
2 ـ أنه لا ربا بين الدولة ورعاياها .
أما الشبهة الأولى فالرد عليها من ناحيتين:-
الناحية الأولى: أن التكييف القانوني في مصر وفرنسا وغيرهما لعقد الوديعة في البنوك التقليدية هو عقد القرض وهذا أكبر رد على من يقول إن العلاقة بين البنك والعميل علاقة وكالة ،وذلك لأن العقد الذي يوقع بين الطرفين إلى يومنا هذا هو عقد قرض بفائدة محددة ، فالعميل حينما يودع مبلغاً لدى البنك ، فإنه يقرضه قرضاً مضموناً بفائدة محددة مضمونة ، فأين الوكالة في هذا العقد ، حيث يأخذ العميل المقرض نسبة مئوية من المال المودع لدى البنك.
ففي مقابل أي شيء يأخذها ؟
وأين دوره في الوكالة ؟
وما الذي يقدمه العميل للبنك حتى يأخذ منه أجراً ؟
وأين مصروفاته الإدارية ؟
فالعميل قد جاء ووضع مليون ريال وديعة في البنك ، ثم في آخر السنة يأخذ رأس ماله و5% مثلاً زيادة على رأس ماله .
ويبدوا أن هؤلاء الإخوة نسوا هذا الجانب ، وركزوا على ما يأخذه البنك من فوائد ربوية ، حيث إنه في حالة البنك مقترضاً من العميل فلا مجال أصلاً لتكييف هذه النسبة على أساس الأجر في الوكالة في مقابل المصروفات الإدارية .
وكذلك الأمر عندما يقرض البنك العميل ويأخذ نسبة من الفوائد الربوية حيث إن العلاقة هي علاقة عقد القرض في الشريعة والقانون .
هذا وقد حسم التقنين المدني المصري الخلاف في طبيعة الودائع في البنوك الربوية حيث كيفها على أنها قرض فقد نصت المادة 726 على أنه : (إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً) .
وقد علق العلامة الدكتور فرج السنهوري على ذلك بقوله : (وقد يتخذ القرض صوراً مختلفة أخرى غير الصور المألوفة ، من ذلك إيداع نقود في مصرف ، فالعميل الذي أودع النقود هو المقرض ، والمصرف هو المقترض …) الوسيط للسنهوري 57/435 .
وقد أكد ذلك فقهاء القانون والاقتصاد (يراجع : كتاب عمليات البنوك من الوجهة القانونية للدكتور علي جمال الدين عوض / ص : 20 – 28) .
وقد أكد هذا المعنى بالإجماع مع الحكم بتحريم الفوائد البنكية المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي الذي حضره عدد كبير من فقهاء الشريعة ، وعلماء الاقتصاد والقانون عام 1396 هـ .
ولذلك كان من المفروض على هؤلاء الأساتذة أن يرجعوا إلى علماء القانون والاقتصاد لبيان التكييف القانوني والاقتصادي لعقد الوديعة في البنوك الربوية وإن لم يرجعوا إلى المتخصصين في الفقه الإسلامي والاقتصاد الإسلامي .
ومن جانب آخر ، فإن الوكيل غير ضامن بالإجماع في الشريعة (انظر المغني لابن قدامة : 5/102 – 103) والقانون (الوسيط 7/468) إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، في حين أن البنك ضامن بإجماع القانونين عن المبلغ الذي اقترضه من العميل مع الفائدة المحددة ، وأن العميل أيضاً ضامن عن المبلغ الذي اقترضه من البنك مع الفائدة المحددة مهما كانت الأمور ، ومهما خسر العميل .
الناحية الثانية: ادعى بعضهم بأن تحديد العائد مقدماً يعود إلى الاستثمار ، وهذا الادعاء يعود إلى عدم المعرفة بطبيعة التعامل في البنوك الربوية ، فقد ذكر علماء القانون والاقتصاد أن الوظيفة الرئيسية للبنوك التقليدية هي الاقتراض والإقراض بفائدة ، وخلق الائتمان .
فهي مؤسسة تقوم على التجارة في القروض والديون ، وأنها ممنوعة بحكم القوانين من الاستثمار والتجارة بأموال المودعين ، وأن نظرة بسيطة على ميزانية أي بنك تقليدي تكشف بوضوح أنه يقوم على الاقراض والاقتراض وخلق الائتمان بصورة أساسية إضافة إلى بعض خدمات لا يذكر حجمها أمام حجم القروض والديون ، كما أن عقود هذه البنوك تنص على أن العلاقة هي القرض ، فيوجد فيها العقد النمطي الذي يسمى (عقد قرض) ثم ينص فيه على أنه (يحتسب على قيمة القرض فائدة مركبة سعرها كذا سنوياً تقيد على حسابنا شهريا) .
ونحن نرجو من هؤلاء الأساتذة أن يسألوا البنك المركزي المصري ، أو أي بنك مركزي آخر : هل يجوز للبنوك الربوية ممارسة التجارة والاستثمار المباشر ، والبيع والشراء بأموال المودعين ؟
وذلك لأن الجواب يكون بالنفي قطعاً ، فلا يسمح لأي بنك ربوي أن يتاجر بأموال المودعين أبداً ، لأنه ضامن لها ، فلا بد أن يعطيها للمقترضين بفائدة أكبر من الفائدة التي يعطيها للمقرض .
أما الشبهة الثانية وهي جواز الربا بين الدولة وأبنائها فلنا عليها الملاحظات التالية :
1 ـ أن معظم البنوك ليست للدولة ، بل للمساهمين ، أو من القطاع المختلط المشترك بين الطرفين ، وبالأخص في عصر الخصخصة أصبحت معظم البنوك مملوكة للمساهمين.
2 ـ هذا الكلام الذي اعتبروه مثل القاعدة ليس له أصل في الشرع ولا بين الفقهاء ، وأنه لا يجوز قياس الدولة على الوالد في علاقته المالية بولده على رأي من يقول إن مال الولد للوالد وبالتالي فلا ربا بين أموال الشخص الواحد .
وذلك لأن جمهور الفقهاء على أنه يوجد الربا بين الوالد والولد وذلك لأن ذمة الولد مستقلة ، وبالتالي يحرم الربا بين الوالد والولد .
وأما من قال ، إنه لا ربا بين الوالد والولد فهذا ينطلق من أن الوالد يملك أموال أولاده ، وهذا (مع أنه قول ضعيف) لا يصح أن يكون أصلاً لقياس الدولة عليه من عدة وجوه من أهمها : أن الدولة لا تملك أموال الأفراد قطعاً وبالإجماع لدى الفقهاء ، وحينئذ أصبح القياس فاسداً غير مستقيم .
ومن جانب آخر فإن المفروض في الدولة الإسلامية هي أن تكون القدوة في الالتزام بأوامر الله تعالى ، وشرعه قبل الأفراد ، وإلا فكيف ترتكب المحرمات وتفعل ما أذن الله فيه الحرب ثم تقول للناس : اتركوا الربا ، فمن أولى واجبات الدولة أن تمنع الربا ، كما قال ابن عباس (من كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن لم ينزع ، وإلاّ ضرب عنقه ) تفسير الطبري 6/225 والدرر المنثور 1/366 .