أجاز الشيخ يوسف القرضاوي الاقراض من مال الزكاة قياسا للمستقرضين على الغارمين ، ومنعه آخرون.
قول الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
إن الله سبحانه وتعالى بين لنا مصارف الزكاة فقال جل جلاله :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة الآية 60 .
فهذه الآية الكريمة حصرت مصارف الزكاة في المصارف الثمانية ويدل على ذلك قوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ) ولفظة ( إنما ) تقتضي حصر الزكاة في المصارف الثمانية ثم إن الله سبحانه وتعالى أضاف الصدقات للفقراء باللام التي تدل على التمليك ثم عطف بقية الأصناف على الفقراء ، قال أبو إسحق الشيرازي بعد أن ذكر آية مصارف الزكاة :[ فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم ] المهذب مع شرحه المجموع 6/185 .
وقد اختلف أهل العلم في اشتراط تمليك الزكاة للأصناف الثمانية ، فمن العلماء من قال إن التمليك شرط في الأصناف الثمانية . وجمهور العلماء على أن التمليك شرط في الأصناف الأربعة الأولى وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وأربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة . فمتى أخذوها ملكوها ملكاً دائماً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم : الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل . فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً . فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم . والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها : أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين ] المغني 2/500 .
وقال الخطيب الشربيني :[ وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخير – كذا والصواب الأخيرة – بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى . ] مغني المحتاج 4/173 .
وقال الألوسي :[ والعدول عن اللام إلى ( في ) في الأربعة الأخيرة على ما قاله الزمخشري للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق الصدقة ممن سبق ذكره لما أن ( في ) للظرفية المنبئة عن إحاطتهم بها وكونهم محلها ومركزها وعليه فاللام لمجرد الاختصاص ، وفي الانتصاف أن ثم سراً آخر هو أظهر وأقرب وذلك أن الأصناف الأوائل ملاك لما عساه أن يدفع إليهم وإنما يأخذونه تملكاً فكان دخول اللام لائقاً بهم وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون لما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن يصرف في مصالح تتعلق بهم فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون أو البائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بملكهم لما يصرف نحوهم وإنما هم محال لهذا الصرف ولمصالحه المتعلقة به ، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم ، وأما في سبيل الله فواضح فيه ذلك ، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجاً في سبيل الله وإنما أفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعاً ] روح المعاني 5/314 .
وجاء في توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت سنة 1413هـ ما يلي :[ التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ . ) شرط في إجزاء الزكاة والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج كآلات الحرفة وأدوات الصنعة وتمليكها للمستحق القادر على العمل ] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/886 .
إذا تقرر هذا فإني أرى أنه لا يجوز تحويل أموال الزكاة إلى قروض حسنة تسترجع من المقترضين مستقبلاً لأن هذا يعني أن الزكاة لم توضع في مصارفها الشرعية فهذه الأموال المقرضة ستستمر في الدوران بين المستقرضين وبين الصندوق كلما أخذها مستقرض ردها إلى الصندوق ليأخذها آخر وهكذا وبالتالي لا تكون الزكاة قد وقعت في أيدي مستحقيها ومن المعلوم أن المكلف بإخراج الزكاة أما أن يدفع مال الزكاة للمستحقين وأما أن يدفعه للإمام الذي يتولى إيصاله لمستحقيه أو من يقوم مقامه ولا تبرأ الذمة إلا بأحد الأمرين . انظر مجلة المجمع الفقهي عدد 3 ج1 ص416 . فإذا بقيت الزكاة تدور بين الصندوق وبين المستقرضين فإنها لن تصل إلى مستحقيها ويبقى المال في هذا الصندوق الذي لا مالك له حقيقة .
وأخيراً لا بد أن أذكر أن بعض العلماء المعاصرين ذهبوا إلى جواز إقراض مال الزكاة ، قال الدكتور يوسف القرضاوي :[ بقي هنا بحث نتم به الحديث عن هذا المصرف وهو إعطاء القروض الحسنة من الزكاة هل يجوز ذلك قياساً للمستقرضين على الغارمين ؟ أم نقف عند حرفية النص ولا نجيز ذلك بناء على أن الغارمين هم الذين استدانوا بالفعل ، أعتقد أن القياس الصحيح والمقاصد العامة للإسلام في باب الزكاة تجيز لنا القول بإقراض المحتاجين من سهم الغارمين على أن ينظم ذلك وينشأ له صندوق خاص . وبذلك تساهم الزكاة مساهمة عملية في محاربة الربا والقضاء على الفوائد الربوية .وهذا ما ذهب إليه الأساتذة : أبو زهرة وخلاف وحسن في بحثهم عن الزكاة معللين ذلك بأنه إذا كانت الديون العادلة تؤدي من مال الزكاة فأولى أن تعطى منه القروض الحسنة الخالية من الربا لترد إلى بيت المال فجعلوه من قياس الأولى ] فقه الزكاة 2/634 .
وأقول إن القياس المذكور غير مسلم لأن الغارمين هم الذين استدانوا فعلاً وأصبحوا مطالبين بالدين ولا يستطيعون السداد فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين وأما الإقراض فإن هؤلاء المستقرضين ليسوا غارمين حقيقة حتى نلحقهم بالغارمين .
والصحيح في هذه المسألة أن هؤلاء المستقرضين فقراء فيعطون من سهم الفقراء والمساكين ويمَلَّكون هذا المال ولا يصح استرداده منهم .
ويمكن إيجاد حل آخر لمسألة القروض بأن ينشأ صندوق لإقراض المستقرضين من أموال الصدقات الأخرى غير الزكاة على أن يخبر المتبرعون لهذا الصندوق بأن ما سيتبرعون به سيوضع في صندوق للقروض الحسنة ويجعل له نظام واضح ويبين فيه مآل هذه الأموال مستقبلاً إن انتهى عمل الصندوق.