يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
لا يوجد دليل في الكتاب ، ولا في السنة ، ولا في أقوال الأئمة على اشتراط زي مخصوص للمسلم ، بل هناك أدلة على عدم الاشتراط ، والذين قالوا ما قالوا في منافاة لبس قلانس النصارى ( البراطل أو البرانيط ) للإسلام لا يعرفون من الإسلام إلا التقاليد العامة .
إن الذين أسلموا في الصدر الأول لم يشترط عليهم تغيير أزيائهم ، ونزيد على هذا أن الصحابة كانوا يلبسون الثياب التي يغنمونها من المشركين والمجوس وأهل الكتاب ، بل النبي – ﷺ – لبس من لبوسهم أيضًا كما ذكرنا من قبل ، ولو أراد الله أن يتعبدنا بزي مخصوص لاختار زيًّا وألزمنا به ، فإن لم يكن الزي الإسلامي مخترعًا جديدًا من الشارع فموافقته لزي أهل الكتاب أولى من موافقته لأزياء المشركين ؛ لأن الإسلام يفضل الكتابي الرومي أو الروسي على المشرك الهاشمي القرشي ، هذا وإن المسلمين لم يلتزموا زيًّا واحدًا في عصر من الأعصار ، فأي أزيائهم كان زي الدين ، وأيها كان زي الكافرين أو المرتدين .
وما ذكر من مفاسد جعل الزي داخلاً في مفهوم الإسلام صحيح ، وأهمه امتناع من يصعب عليهم تغيير أزيائهم من قبوله ، وأقول : إن كل أمة من الأمم التي تعقل تهزأ بدين يجعل الزي ركنًا من أركانه ، أو عملاً من أعماله فلو قيل لأهل أوربا أو أمريكا : إن الإسلام يشترط أن يلبس الداخل فيه ( فرجية ) واسعة الأكمام ، وجبة طويلة الأذيال ، وحذاء أصفر يظهر منه معظم الرِّجْل لقالوا : إن هذا دين لا يليق إلا بالكسالى والبطالين من أهل البلاد الحارة ، وما قاربها ، ولا ينبغي لأهل العمل والنشاط ، ولا يرضى به ذو عقل ولا ذوق .
أما حديث : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) فهو غير صحيح ، ولو صح لما أفاد المشاغبين في مسألة ، فإن معناه أن من تكلف أن يكون شبيهًا بقوم ؛ فإنه يلتحق بطبقتهم ، فإن تشبه بالكرام في أخلاقهم وأعمالهم عُدَّ منهم ، وإن كان متكلفًا والعكس بالعكس ، ومثل هذا التشبه لا يحصل إلا بتكلف السجايا الخاصة بالقوم ، فإن من يلبس لباس الشجعان أو الأسخياء لا يعد منهم ، فالحديث إذن في معنى قول الشاعر الذي اقتبسه :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح