اختلف العلماء في حكم صلاة التسابيح، فمنهم من استحبها، ومنهم من كرهها، وسبب اختلافهم في حكمها هو اختلافهم في صحة الحديث الوارد فيها، فبعضهم صححه، وبعضهم ضعفه، الراجح من أقوالهم هو أنها مشروعة، لأن الحديث -كما قال ابن حجر– لا ينزل عن درجة الحسن لكثرة طرقه التي يتقوى بها.
حكم صلاة التسابيح عند أهل العلم:
قال ابن عابدين: وحديثها حسن لكثرة طرقه ووهم من زعم وضعه، وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين : لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين، والطعن في ندبها بأن فيها تغييرا لنظم الصلاة إنما يأتي على ضعف حديثها فإذا ارتقى إلى درجة الحسن أثبتها وإن كان فيها ذلك. انتهى
وقال الصاوي في حاشيته : وصفة صلاة التسابيح التي علمها النبي ﷺ لعمه العباس وجعلها الصالحون من أوراد طريقهم، وورد في فضلها أن من فعلها ولو مرة في عمره يدخل الجنة بغير حساب ..
وقال الخطيب الشربيني : وما تقرر من أنها سنة هو المعتمد كما صرح به ابن الصلاح وغيره .
وذهب الحنابلة إلى عدم سنيتها وجواز فعلها لجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وذهب بعضهم إلى القول باستحبابها قال البهوتي في كشاف القناع : يفعلها أي صلاة التسبيح على القول باستحبابها كل يوم مرة ..
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى : ولا تسن صلاة التسبيح.
قال الإمام أحمد: ما يعجبني، قيل لم قال ليس فيها شيء يصح ونفض يده كالمنكر ولم يرها مستحبة؟ قال الموفق: وإن فعلها إنسان فلا بأس لجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. اـ هـ .
هذا عن حكم صلاة التسابيح عند أهل العلم من أهل المذاهب الأربعة .
الحديث الوارد عن صلاة التسابيح:
وأما الحديث الوارد في صفتها فهو ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال للعباس: يا عماه ألا أعطيك ؟ ألا أمنحك ؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته ، عشر خصال ، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ، فإن فرغت من القرآن قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا . فذلك خمس وسبعون في كل ركعة ، تفعل ذلك في الأربع ركعات. إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل ، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة ، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة ، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة ، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة.
هل الحديث الوارد عن صلاة التسابيح صحيح:
اختلف الحفاظ في الحكم على هذا الحديث فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه.
والذين صححوه هم جمهور المحققين ، ومن هؤلاء : الدارقطني ، الخطيب البغدادي ، وأبو موسى المديني. وكلٌ ألف فيه جزءا ، وأبو بكر بن أبي داود ، والحاكم ، والسيوطي ، والحافظ ابن حجر، والألباني ، وغيرهم .
وممن ضعفوا الحديث ابن الجوزي ، وسراج الدين القزويني ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام أحمد ، وغيرهم .
إلا أن الحافظ ابن حجر قال : قلت : وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك أي عن تضعيف الحديث، فقال علي بن سعيد النسائي: سألت أحمد عن صلاة التسبيح ؟ فقال : لا يصح فيها عندي شيء . قلت : المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو ، فقال : من حدثك ؟ قلت : مسلم بن إبراهيم ، قال : المستمر ثقة ، وكأنه أعجبه.
والحق -إن شاء الله تعالى- أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن لكثرة طرقه التي يتقوى بها كما يقول الحافظ ابن حجر في أجوبته المشهورة على أسئلة عن أحاديث رميت بالوضع اشتمل عليها كتاب المصابيح للإمام البغوي، وهذه الأجوبة ملحقة بالجزء الثالث من كتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي لمن أراد الاطلاع عليها .