صلاة الاستخارة في أصلها دعاء، والدعاء له شروط حتى تتحقق إجابته، فليس كل داع يستجاب له، إنما يستجيب الله دعاء من يلتزم أمره ،وينتهي عند نهيه، ويكون قلبه موصولا به، ويكون أهلا لأن يشير الله عليه، فالاستخارة استشارة، وقد تكون إجابة الدعاء في صورة صرف ضرر أكبر لا يعلمه العبد بدلا من إجابة مطلوب العبد نفسه، ولا تنسي أن الشر يكمن في الخير، وأن الخير يكمن في الشر، وأنه عسى أن نكره شيئا وهو خير لنا، وعسى أن نحب ما فيه ضررنا، والله يعلم ، ونحن لا نعلم شيئا.ولم يثبت في السنة حث على تكريرها. وليس مطلوبا نوم بعدها ، وليس بالضرورة أن يجد رؤيا أصلا.

معنى الاستخارة

ومعنى الاستخارة أن المسلم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يختار له خير الأمرين وأولاهما ومن المستحسن أن يستخير المسلم في أموره فقد ورد في الحديث :( من سعادة ابن آدم استخارته الله ) رواه أحمد في المسند وسنده حسن.

والاستخارة تكون في الأمور التي لا يعرف العبد فيها وجه الصواب ، وأما أمور الخير الواضحة فلا مجال للاستخارة فيها .

وينبغي أن يعلم أن صلاة الاستخارة لا تدخل باب الفرض ولا الحرام ولا المكروه وإنما تقع ضمن دائرة المندوب والمباح ولا تكون الاستخارة أيضاً في أصل المندوب وإنما تكون عند تعارض أمرين أيهما يبدأ به أو يأخذ به كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري .

وتكون الاستخارة عندما يهمّ المسلم بأمر ما كما ورد في الحديث ( إذا همّ أحدكم بالأمر … ) وهذا يعني أن الاستخارة تكون عندما يرد الأمر على القلب فيستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا كان الأمر متمكناً في نفسه وقويت عزيمته عليه .

دعاء صلاة الاستخارة

يقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى  – :- صلاة الاستخارة ركعتان، والدُّعاء الذي يقال بعدها جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ  ـ يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلِّها كالسورة من القرآن يقول: “إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركعْ ركعتين من غير الفَريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرُك بعلمك، وأستقدِرك بقُدرتِك، وأسألك من فضلِك العظيم، إنّك تقدِر ولا أقدِر، وتعلَم ولا أعلم، وأنت عَلّام الغُيوب.اللّهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقِبة أمري ـ أو قال عاجِل أمري وآجِله ـ فاقدِره لي ويسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإن كنتَ تعلَم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقِبةِ أمري ـ أو قال عاجِل أمري وآجِله ـ فاصرِفْه عنى واصرِفني عنه، واقدِر لي الخيرَ حيث كان، ثم رضِّني به” قال ويُسمِّي حاجتَه: يعني يقول بدل عِبارة ـ أن هذا الأمر ـ يُعيِّن هذا الأمر مثل السّفر، أو الزّواج ونحو ذلك.

صلاة الاستخارة

والاستخارة نوع من الدُّعاء، يكون بتضرُّع وحضور ذِهن، فقَبول الصّلاة والدُّعاء وترتُّب آثارهما مُرتبط بذلك. قال تعالى بعد ذكر أيُّوب وذي النّون وزكريا ودعائِهم الذي استجاب الله لهم: (إنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعونَ فِي الخَيْرَات ويَدْعونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِين) (سورة الأنبياء : 90) والمُسارَعة في الخَيرات تستلزِم الطّاعة والحِرص عليها والتّسابق إليها، والبعد عن كل ما حرَّم الله.

وبالتالي لا تُقبَل صلاةُ الاستخارة ولا دعاؤها من المُقصِّر في حقِّ الله، ولا يَعرفه إلا عندما يَحتاج إليه ليعرِّفَه المشروعَ الذي يُقدِم عليه إن كان خيراً أو شرًّا، ومن المقرّر أن اللُّقمة من الحرام في بطن الإنسان تمنَع قبول الدُّعاء، كما صحّ في حديث رواه مسلم.

كم مرة تصلى صلاة الاستخارة؟

يجوز تكرار صلاة الاستخارة مرات متعددة، لأنها عبادة ذات حاجة مخصوصة كصلاة الاستسقاء فيتكرر أداؤها ما كانت الحاجة قائمة غير متبينة عند المستخير بحيث لا يدري ما يختار. ثم ينضم إلى ذلك أن مضمون صلاة الاستخارة دعاء، والدعاء يستحب تكراره، والإلحاح فيه، سواء كان مخصوصًا أو غير مخصوص.

متى يقرأ دعاء الاستخارة قبل التسليم أم بعده؟

ذهب علماء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة: يكون الدعاء عقب الصلاة بعد التسليم، وهو الموافق لما جاء في نص الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليو وسلم ” «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة؛ ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك” الحديث.
وزاد الشوبري وابن حجر من الشافعية، والعدوي من المالكية جوازه في أثناء الصلاة في السجود، أو بعد التشهد. وقال ابن تيمية: يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده، والدعاء قبل السلام أفضل؛ فإن النبي كان أكثر دعائه قبل السلام، والمصلي قبل السلام لم ينصرف، فهذا أحسن، والله تعالى أعلم.”
ولكن الراجح وعليه جمهور العلماء أن دعاء الاستخارة يأتي بها بعد التسليم، قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (11/ 187): “الظاهر تأخير الدعاء عن الصلاة، فلو دعا به أثناء الصلاة احتمل الجواز، ويحتمل الترتيب على تقديم المشروع في الصلاة قبل الدعاء؛ فإن موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد.”
وقال الشوكاني في “نيل الأوطار” (3/ 91): “والحديث -أي حديث جابر- يدل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء عقيبها، ولا أعلم في ذلك خلافاً.”
وقال العلامة ابن باز كما في “مجموع فتاواه” (11/ 390) عندما سئل عن موضع دعاء الاستخارة ومتى يكون: “الدعاء في صلاة الاستخارة يكون بعد السلام، كما جاء بذلك الحديث الشريف.”
وسئل علماء اللجنة الدائمة (8/ 162): “هل دعاء الاستخارة يكون قبل التسليم، أم بعد التسليم والخروج من الصلاة؟” فأجابوا: “دعاء الاستخارة يكون بعد التسليم من صلاة الاستخارة.”

هل هناك علاقة بين الأحلام والاستخارة

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي -رحمه الله تعالى – :- لا علاقة لصلاة الاستخارة برؤية المنامات‏.‏ بل هي مجرد صلاة ثم دعاء مأثور عن رسول الله‏.‏ وليتابع بعد ذلك العمل على مشروعه الذي استخار الله له‏.‏ فإن كان خيراً يسّر الله له بلوغه‏،‏ وإن لم يكن خيراً صرفه الله عنه‏.‏ 

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :- ينبغي أن يكون المستخير خالي الذهن , غير عازم على أمر معين , فقوله  في الحديث : ” إذا هم ” يشير إلى أن الاستخارة تكون عند أول ما يرد على القلب , فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير , بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده , وقويت فيه عزيمته وإرادته , فإنه يصير إليه ميل وحب , فيخشى أن يخفى عنه الرشاد ; لغلبة ميله إلى ما عزم عليه . ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة ; لأن الخاطر لا يثبت فلا يستمر إلا على ما يقصد التصميم على فعله من غير ميل . وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به , فتضيع عليه أوقاته . ووقع في حديث أبي سعيد { إذا أراد أحدكم أمرا فليقل }.‏

علامات القبول في الاستخارة

أشار العلماء إلى بعض العلامات التي تدل على قبول دعاء الاستخارة نذكر جملة منها كما يلي:

  • الشعور باطمئنان القلب

اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن علامات القبول في صلاة الاستخارة انشراح الصدر ، وشرح الصدر : عبارة عن ميل الإنسان وحبه للشيء من غير هوى للنفس أو ميل مصحوب بغرض، على ما قرره العدوي .

وقال الزملكاني من الشافعية : لا يشترط شرح الصدر . فإذا استخار الإنسان ربه في شيء فليفعل ما بدا له، سواء انشرح له صدره أم لا، فإن فيه الخير، وليس في الحديث انشراح الصدر . وأخذ بهذا النووي فقال في كتاب الأذكار: “يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره، ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني: “إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه.

عقب عليه ابن حجر فقال: وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن سنده واهٍ جدًا والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد.

لذلك يجب عليه أن يجاهد نفسه حتى لا يبقى في قلبه من هوى النفس وميل إلى أي شيء قبل الاستخارة. كما للمستخير أن يستشير أحد الثقات حتى يطئن نفسه لما اختاره.

قال ابن باز: ثم بعد ذلك يستشير من يرى من أهل الخير من أقربائه وأصدقائه، يستشيرهم، فإذا انشرح صدره لأحد الأمرين يمضيه، وإن استمر معه التردد أعاد الاستخارة ثانيا وثالثا وهكذا، حتى يطمئن قلبه وينشرح صدره لأحد الأمرين من الفعل أو الترك.

  • النتيجة متعلقة بتيسير الله تعالى

بعد أن يستخير المستخير الاستخارة الشرعية، ما عليه إلا أن يعزم على أي أمر يراه، بعد أن يتوكل على الله حق توكله. بدليل قوله تعالى {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق 3]. وقال {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} [آل عمران 159].

وأن لا يغفل عن الإخلاص في النية، والصدق مع الله في العمل المستخار فيه. {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم} [محمد 21].

فإذا تحقق ذلك فليفعل ما بدا له، من غير تردد ولا أسف، ولا تلكؤ ولا وجل، سواء انشرح صدره أم لم ينشرح، وسواء كان هذا الانشراح قبل الاستخارة أو بعدها، لأن الأمر لا يتعلق بانشراح الصدر وعدمه، وإنما يتعلق بتيسير الله عز وجل وتوفيقه وتقديره.
فربما انشرح صدره للأمر، والله لا يريده له، فلا ييسره، ولو أقدم عليه. وربما لم ينشرح صدره للأمر، وأراده الله له، فيقدره وييسره له.

قال عدنان بن محمد آل عرعور: المسألة لا تتعلق بالعبد ولا بهواه، ولا بانشراح صدره وميل نفسه، وإنما هي متعلقة بما يعلمه الله ويقدره ويقضيه، سواء كان له فيه هوى أو لم يكن له فيه هوى، وسواء كرهه أو أحبه.
وقد يكون مما قدره الله له، وكان له فيه هوى ومصلحة وخير، فأي مانع من ذلك؟ ! ثم إن أراد أن يفعل ما كان له فيه هوى .. ولم يقدره الله فلا ييسره الله له وإن قدره الله فييسره .. فلم تعد هناك فائدة للقول: لا يفعل ما كان له فيه هوى.

الرؤيا بعد الاستخارة

هل الرؤيا التي يراها المستخير بعد أداء صلاة الاستخارة من علامات القبول في الاستخارة؟ وقد اشتهر من بعض الناس هذا التصرف والاعتقاد، والصواب أنه لا يوجد دليل يربط بين قبول الاستخارة والرؤيا بعد الاستخارة، والأولى العمل بما جاء في السنة، وهو الإقبال على العمل بما يطمئن إليه نفسه، ويكون خيرا.

هل يجوز قراءة دعاء الاستخارة من الهاتف؟

يجوز استخدام الهاتف أو التابليت وغيرهما لقراءة دعاء الاستخارة لمن يحسن القراءة ولكنه لا يحفظ الدعاء، والهاتف بمثابة الورقة التي يجوز أن يقرأ منها إن كان لا يحفظ الدعاء.
جاء في كتاب “صلاة الاستخارة” لمؤلفه عقيل الشهري، المسلم الذي لا يحفظ دعاء الاستخارة لا يخلو أمره من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون ممن يعرف القراءة: وفي هذه الحالة لا بأس له بقراءة الدعاء من ورقة أو كتاب، وتكون الحركة التي سيفعلها مغتفرة؛ لأنها لأجل مصلحة الصلاة، ومعلوم أن الحركة إن كانت لأجل الصلاة فلا حرج فيها، وعلى ذلك أدلة كثيرة.
الحالة الثانية: أن يكون ممن لا يعرف القراءة:
فلا بأس بأي دعاء يؤدي معنى الاستخارة، كأن يقول: اللهم خر لي، وغير ذلك.

علامات عدم القبول في الاستخارة

وأما علامات عدم القبول لصلاة الاستخارة فهي : أن يصرف الإنسان عن الشيء لنص الحديث، ولم يخالف في هذا أحد من العلماء، وعلامات الصرف : ألا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه معلقا به , وهذا هو الذي نص عليه الحديث : { فاصرفه عني واصرفني عنه , واقدر لي الخير حيث كان , ثم رضني به } . انتهى.

وقت صلاة الاستخارة

صلاة الاستخارة تُؤدَّى في غير الأوقات التي تُكره فيها الصّلاة، وأنسب الأوقات لها بعد منتصف الليل، فالدُّعاء يكون أقربَ إلى الإجابة.ويُسنُّ أنْ يَبدأه بحمدِ الله والصلاة والسلام على رسول الله، ويختِمه بالصّلاة على النبي ـ  ـ ولا تتعيّن قراءة بعد الفاتحة، مع مراعاة أن الاستخارة لا تكون إلا في الأمور المُباحة، أمّا الواجبات والمَندوبات فلا استخارة في عملِهما، وكذلك المُحرّمات والمكروهات؛ لأنّ المطلوب تركُها، ومع مراعاة أن قلب الإنسان إذا مال إلى فِعل الشيء أو الانصراف عنه قبل صلاة الاستخارة، فلا معنى لهذه الصّلاة، بل ينبغي تركُ الاختيار لله ـ سبحانه ـ ويصلِّي مِن أجل ذلك. وهذه الصّلاة تُغنينا عما يتورّط فيه بعض الناس من قراءة الكفِّ وضَرب الرّمل والوسائل الأخرى التي حذَّر الإسلامُ منها ، أو لم يَشْرَعْها، فالعلم الحقيقيُّ عند الله ـ سبحانه ـ والدعاء مع العبادات خير وسيلة لمُساعدة الإنسان على ما يريد. مع مراعاة أن الدُّعاء الذي تسبِقه الصلاة قد يُستجاب وقد يرِد، والمَدار هو على إتقان الصلاة والدُّعاء مع توافُر عامل الخشوع والرَّهبة والرَّغبة، ومع كون العبد مُطيعًا لله قريبًا منه بعيدًا عن المعاصي وبخاصة أكلُ الحرام الذي يحول دون قَبول الدعاء، ولا يلزم أن يرى الإنسان بعدها رؤيا مناسِبة، فقد يحصُل القَبول أو النُّفور بدونِها.

المفاهيم الخاطئة حول صلاة الإستخارة

وهناك بعض المفاهيم الخاطئة لصلاة الاستخارة، كما ذكرها  الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند:

  1. اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة إنّما تُشرع عند التردد بين أمرين، وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: ( إذا همّ أحدكم بالأمر..).ولم يقل ( إذا تردد )، والهمّ مرتبة تسبق العزم، كما قال الناظم مبيّناً مراتب القصد:مراتب القصد خمس: (هاجس) ذكروا فـ (خاطر)، فـ (حديث النفس) فاستمعايليه (همّ) فـ (عزم) كلها، رُفعتْ سوى الأخير ففيه الأخذ قــد وقعافإذا أراد المسلم أن يقوم بعمل، وليس أمامه سوى خيار واحد فقط قد همّ بفعله، فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه، فإن كان قد همّ بتركه فليستخر على الترك، أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات، فعليه أوّلاً ـ بعد أن يستشير من يثق به من أهل العلم والاختصاص ـ أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات، فإذا همّ بفعله، قدّم بين يدي ذلك الاستخارة.
  2. اعتقاد بعض الناس أنّ الاستخارة لا تشرع إلا في أمور معيّنة، كالزواج والسفر ونحو ذلك، أو في الأمور الكبيرة ذات الشأن العظيم، وهذا اعتقاد غير صحيح، لقول الراوي في الحديث: (كان يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها..).ولم يقل: في بعض الأمور أو في الأمور الكبيرة، وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس يزهدون في صلاة الاستخارة في أمور قد يرونها صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال؛ ويكون لها أثر كبير في حياتهم.
  3. اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة لا بدّ لها من ركعتين خاصّتين،وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: (فليركع ركعتين من غير الفريضة..).فقوله: “من غير الفريضة” عامّ فيشمل تحيّة المسجد والسنن الرواتب وصلاة الضحى وسنّة الوضوء وغير ذلك من النوافل، فبالإمكان جعل إحدى هذه النوافل ـ مع بقاء نيتها ـ للاستخارة، وهذه إحدى صور تداخل العبادات، وذلك حين تكون إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها كصلاة الاستخارة، فتجزيء عنها غيرها من النوافل المقصودة.
  4. اعتقاد بعض الناس أنّه لا بد من انشراح الصدر للفعل بعد الاستخارة،وهذا لا دليل عليه، لأنّ حقيقة الاستخارة تفويض الأمر لله، حتّى وإن كان العبد كارهاً لهذا الأمر، والله عز وجل يقول: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” }البقرة:216{.وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس في حيرة وتردد حتى بعد الاستخارة، وربّما كرّر الاستخارة مرّات فلا يزداد إلا حيرة وتردّداً، لا سيما إذا لم يكن منشرح الصدر للفعل الذي استخار له، والاستخارة إنّما شرعت لإزالة مثل هذا التردد والاضطراب والحيرة.وهناك اعتقاد أنه لابد من شعور بالراحة أو عدمها بعد صلاة الاستخارة وهذا غير صحيح فربما يعتري المرء شعور بأحدهما وربما لا ينتابه أي شعور فلا يردده ذلك بل الصحيح أن الله يسير له ما أختاره له من أمر ويتمه.
  5. اعتقاد بعض الناس أنّه لا بدّ أن يرى رؤيا بعد الاستخارة تدله على الصواب، وربّما توقّف عنالإقدام على العمل بعد الاستخارة انتظاراً للرؤيا، وهذا الاعتقاد لا دليل عليه، بل الواجب على العبد بعد الاستخارة أن يبادر إلى العمل مفوّضاً الأمر إلى الله كما سبق، فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن له الصواب، فذلك نور على نور، وإلا فلا ينبغي له انتظار ذلك.

ماذا أفعل حتى يقضي الله حاجتي؟

وقضاء الحاجة وبخاصة حاجة الدُّنيا له وسيلتان:

  • الأولى طاعة الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، فهي في حدِّ ذاتها إن قُبِلَتْ قضى الله بها ما يتمناه المؤمن من خير، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ وَمَنْ يَتوَكَّل عَلَى اللهِ فهو حَسْبُه) (سورة الطلاق: 2،3) وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيينَّه حياةً طيبةً) (سورة النحل: 97) وقال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّماءِ وَالأرْضِ) (سورة الأعراف: 96) وفي الحديث: “ومن يَسَّر على مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عَوْنِ أخيه” رواه مسلم إلى غير ذلك من النصوص.
  • الوسيلة الثانية هي الدعاء بشروطه وآدابه التي من أهمها الخشوع والإخلاص والبُعد عن الحرام، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (سورة غافر: 60) وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فِإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَة َالدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (سورة البقرة : 156) وفي الحديث القدسي “يا عبادي كلُّكم جائع إلا من أطعمتُه فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عبادي كلُّكم عارٍ إلا من كَسَوْته فاستكسوني أكْسكم..” رواه مسلم.وقد روى أحمد بسند صحيح أن النبي ـ  ـ قال: “من توضأ فأسْبَغَ الوضوء ثم صلَّى ركعتين يُتمهما أعطاه الله ما سأل مُعْجِلاً أو مُؤخرًا”

والناظر في هذا الحديث يرى أن قضاء الحاجة وسيلته: عمل صالح وهو صلاة الركعتين ـ وكذلك الدعاء والسؤال، وأن قضاء الحاجة قد يكون مُعجلاً وقد يكون مُؤخرًا، فينبغي عدم التعجُّل ، ففي الحديث “يُستجاب لأحدكم ما لم يُعجل” رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقد يصرف الله بالدعاء من السوء ما يكون خيرًا من الشيء الذي دعا به الداعي، كما رُوي في الحديث.

الخاتمة

يظهر مما سبق آداب شرعية خاصة بأداء صلاة الاستخارة وبيان حكم امتثالها بأنها سنة مستحبة باتت مهجورة، وإن كان النبي يعلمها للصحابة رضي الله عنهم، وذلك إشارة منه صلى اله عليه وسلم إلى أهميتها وتأكد أدائها لكل حاجة تظهر للمسلم ولا يدري وجه الصواب فيها، ولا يعلم أي شيء يختاره، وقد أتت صلاة الاستخارة بدعاء يشتمل على معاني العقيدة الصحيحة والصدق في اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه والاستعانة بعلم الله تعالى وقدرته على الخلق.