هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجاز إيقاع الدعاء بعد أي راتبة، ومنهم من اشترط أن يكون المصلي جمع بين نية الراتبة والاستخارة، والأفضل تخصيص ركعتين للاستخارة.

جاء في حديث الاستخارة قوله صلى الله عليه وسلم (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) فهذا نص على أن المستخير يسن له أن يجعل دعاءه بعد ركعتين ليستا من الفرائض، وأما السنن الراتبة كسنة الظهر القبلية أو البعدية، فهل إذا دعا الإنسان بعد هذه السنن يكون قد أتى بسنة الاستخارة؟ ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك يكفي، ولم يستثن سوى الفريضة. وعلى رأس هؤلاء الإمام النووي فقد قال في كتاب الأذكار:-

لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر أجزأ.انتهى كلام النووي.

بينما ذهب بعض العلماء إلى أن في ذلك تفصيلا :

فإذا نوى المصلي قبل الإحرام بالسنة الراتبة أن يجعل الركعتين للراتبة وللاستخارة معا فإن ذلك يكفيه، وأما إذا بدأ الركعتين على أنهما للراتبة فقط، ثم بدا له أن يدعو بعد السلام فإن ذلك لا يكفيه، وعليه حتى يحصل السنة أن يستقبل ركعتين بنية الاستخارة. وهذا التفصيل إنما لجأ إليه صاحبه مراعاة لقوله صلى الله عليه وسلم( من دون الفريضة).

ويقرر هذا المذهب الحافظ ابن حجر ردا على كلام النووي السابق فيقول:

كذا أطلق – أي النووي- وفيه نظر. ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معا أجزأ، بخلاف ما إذا لم ينو، ويفارق صلاة تحية المسجد لأن المراد بها شغل البقعة بالدعاء والمراد بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها أو فيها، ويبعد الأجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر. انتهى كلام الحافظ.

بينما ذهب بعض العلماء إلى معنى آخر في الحديث أخذه من لفظة (هم) الواردة في الحديث، وعلى ذلك فقد ذهب أصحاب هذا المذهب إلى أن المهم ليس في أن يجمع المصلي بين نية الراتبة والاستخارة معا، ولكن المهم أن يكون الأمر الذي يود الاستخارة فيه قد شغل باله قبل البدء في الصلاة فإذا حدث هذا له كفاه أن يدعو بعد الفراغ من صلاة السنة التي أداها حتى لو لم يجمع بين نيتي الراتبة والاستخارة؛ لأن الحديث جاء فيه إذا هم فليركع فلا بد أن يكون الهم قبل الصلاة ذاتها.

وأما إذا شغله الأمر أثناء الصلاة أو بعدها فلا يكفيه أن يدعو بعد هذه الصلاة ؛ لأنه بذلك يكون قد ركع – أي صلى- قبل الهم، وهذا مخالف للحديث.

والأكمل والأفضل أن يستقبل المرء صلاة جديدة ينوي بها الاستخارة ثم يبدأ الدعاء، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى الفريضة فلا يبعد أن يدخل في هذا الاستثناء السنن الراتبة.

يقول الإمام الشوكاني مقررا هذا المعنى:-

قوله: ( من غير الفريضة ) فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة والسنن الراتبة وتحية المسجد وغير ذلك من النوافل، وقال النووي في الأذكار : إنه يحصل التسنن بذلك، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبة أو فريضة ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة، قال العراقي : إن كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتبة ونحوها ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك.انتهى.

ويقول الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله :”-

ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد أو الراتبة ولم ينوه من قبل، لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة، فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال ، وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية ، والسنة الراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه ، لقوله : “فليركع ركعتين من غير الفريضة ” فإنه لم يستثن سوى الفريضة ، ويحتمل أن لا يجزئه ، لأن قوله : “إذا هم فليركع” يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة، والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين، لأن هذا الاحتمال قائم ، وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين، فكأنه قال : فليتطوع بركعتين.