إن طول العمر يكون نعمة إذا حسن فيه العمل ، وكان صاحبه في صحة بدنية وعقلية بحيث يقوى على العبادة وقضاء حوائجه ولا يحتاج إلى معاونة الناس في أموره الشخصية ، ولأنه يكون فرصة للتوبة وحسن الخاتمة ، وزيادة أعمال الخير ، كما قال ﷺﷺ “خيركم من طال عمره وحسن عمله .
أما إذا كان طول العمر لا يغتنمه صاحبه في التوبة والطاعة ، وكان صاحبه مصرًا على السيئات ؛ فإنه لا يكون نعمة بل يكون نقمة عليه بسبب معاصيه ، كما لا يكون نعمة إذا صحبه عجز عن القيام بالواجبات وعدم القدرة على قضاء الحوائج الشخصية التي لا يستغني الإنسان عنها ، ويكون في احتياجه إلى الغير في قضائها مذلة وانكسار نفس وخاصة إذا أصابه الخرف وذهاب العقل ، وكذلك من كان في معصية الله تعالى فإنه يعد في أرذل العمر ولو كان في شبابه .
والرسول ﷺ كان يستعيذ من أن يرد إلى أرذل العمر خشية أن يعجز عن أداء واجبات الرسالة ، أو يحتاج إلى غيره في حوائجه الشخصية ، مما يهز مكانته في النفوس كرسول لله تعالى .
يقول فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود ، شيخ الأزهر الأسبق ، رحمه الله :
أرذل العمر: أردؤه وهو الهرم والخرف ومعنى قوله تعالى: “ومنكم من يرد إلى أرذل العمر” أي منكم من يبلغ من السن ما يتغير به عقله فلا يعقل شيئًا فيصير كما كان في أول طفولته ضعيف البنية ساذج العقل قليل الفهم.
وهذه الحالة هي التي استعاذ منها رسول الله ﷺ. فالعمر الطويل بركة للصالحين وتكثير لثوابهم، والعمر الذي انتهى بالإنسان إلى حالة يحتاج فيها إلى من يرشده ويهديه ويسوسه ويرعاه يصبح مصحوبا بالمشقة الكبيرة التي يسأل الإنسان ربه أن ينجيه منها.
على أن منصب النبوة الشريف كما نعلم ومسئولياتها تتطلب من النبي ﷺ أن يكون قادرًا على إدارة شئون الدنيا وتحقيق مطالب الآخرة وذلك يحتاج إلى القوة البدنية والعقلية، والهرم المرذول يمنع من ذلك ويجعل المرء عاجزًا حتى عن قيادة نفسه، ومن هنا استعاذ منه الرسول ﷺ.
وإن تقييد العمر بالأرذل يدل على أن من العمر الطويل ما هو خير وبركة، ولا ينتهي بالإنسان إلى هذه الحالة المرذولة وهذا ما لم يستعذ منه رسول الله صلى الله علي وسلم.
ثم إن أرذل العمر قد يحصل لمن هو صغير السن إذا ساء خلقه وفسد عمله أو صار كما يقول الفقهاء سفيهًا ولو كان في ريعان الشباب.
ومن هنا فإن هذه الاستعاذة ليست استعاذة من طول العمر وإنما هي استعاذة من العمر الذي لا يكون فيه عمل صالح أو قدرة على أداء ما يجب وترك ما ينبغي أن يترك.