الإسلام يُوَجِّه الشاب المسلم إذا أراد الزواج إلى اختيار الفتاة الصالحة، التي تكون عَوْنًا له على أمْرِ دينه، تَسُرُّه إذا نَظَر، وتُطِيعُه إذا أمر، وتَنْصَح له إذا حَضَر، وتَحْفَظُه إذا غاب في نفسها وماله، كما قال ـ تعالى ـ: (فَالصَّالِحاتُ قَانِتاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ) (النساء: 34).
وهذا ما ينبغي أن يَلْتَفِت إليه المسلم ويَحْرِص عليه، ولا يكون هَمُّه محصورًا في مُجَرَّد الجمال أو النَّسَب أو المال، بل الصلاح، كما قال الرسول الكريم ﷺ: “الدنيا مَتاعٌ، وخَيْرُ مَتاعِها المرأة الصالِحة”، وقال ﷺ: “مَنْ رَزَقَهُ الله امْرَأَةً صالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دينه، فَلْيَتَّقِ الله في الشَّطْرِ الباقي”.
وصلاح المرأة إنما يَتَجَلَّى في التزامها الديني، بحيث تُكَيِّف سُلُوكها وَفْقًا لأمر الله ونَهْيه، وحلاله وحَرامه، فمَن وجد هذه المرأة فقد وجد كَنْزًا عظيمًا لا يجوز التفريط فيه بحُجَج واهيَة، وحَسْبُنا وصية رسول الله ـ ﷺ ـ الواضحة لطالِب الزواج، والتي وضعت أمامَه المِعْيار الذي لا يُخْطِئ: “فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ” !
هل يجوز الزواج بغير ذات الدين
إذا كان هذا هو التوجيه النبوي فكيف يُترَك المسلم المُلْتَزِم ليتزوج بامرأة مستهترة تُنَغِّص عليه عَيْشَه، وتَغْدُو حَجَر عَثْرَة في طريقه، بدل أن تكون عَوْنًا له؟؟ مع أن الطبيعي أن يَنْجَذِب إلى مَنْ تكون على شاكِلَتِه فشبيه الشيء ينجذب إليه، والطيور على أشكالها تقع .
ومثل هذا يُقال للفتاة المسلمة ولأهلها عندما يَتَعَرَّض لها الخُطَّاب، فالواجب تَخَيُّر صاحب الدين الذي يَرْعَى حقَّها، ويَتَّقِي الله فيها، ويُعِينُها على التزامها، ويَضَع يدَه في يَدِها للعمل معًا في خِدْمة الإسلام. وفي هذا جاء الحديث الشريف: “إِذَا أَتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وفسادٌ كبير” .
أما الزواج من مُسْتَهْتِر بدعوى أن تَعْمَل على صلاحه وهدايته، فهي نِيَّة طيبة ولكنها مُخاطَرة كبيرة، لا تُؤْمَن نتائجها. والمعهود أن يُحاوِل هو التأثير عليها، فإن لم يَسْتَطِع نَكَّد عليها وأزعَجَها بجَوِّه الغريب عنها، وأصدقائه البَعِيدين عن الإسلام. وهذا ما حَذَّر منه السلَف حين قالوا: مَنْ زَوَّج كَرِيمَته من فاسق فقد قَطَع رَحِمَهَا !
وقالوا: إذا زَوَّجْتَ ابْنَتَك فَزَوِّجْهَا ذَا دِينٍ، إِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا وإِنْ أَبْغَضَهَا لم يَظْلِمْهَا .
الواجب على كل من يريد الزواج
مِن هُنا نؤَكِّد أن المنهج المَقْبول والمَيْسور هنا أن يَبْحَثَ المسلم المُلْتَزِم وتَبْحَث المسلمة المُلْتَزِمة عمَّن يُشابِهُه ويَلْتَقِي معه في التزامه وتفكيره وسلوكه. بل يَحْسُن أن يكون كلاهما مُتَقارِبَيْنِ في نَمَط التفكير والاتِّجاه حتى لا يَعِيشا حياتهما في جَدَل دائم، قد يُودِي في النهاية بحياتهما المُشْتَرَكة.
هذا هو مَنْطِق الفِطْرة، ومنطق الواقع، ومنطق القرآن: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيبات) (النور:26) .