لا حرج في الاجتماع على قيام الليل، فقد تطوع النبي
ﷺ فرادى وجماعة، أما الاجتماع على
قراءة القرآن فقد اختلف أهل العلم، فبعضهم يرى أن الاجتماع للقراءة والذكر يراه بدعة، وبعضهم يراه أمراً مستحسناً، وكل يعتمد على بعض الأدلة.
يقول العلامة الدكتور عبد الله بن بيه – نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-: هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء، فبعضهم يرى أن الاجتماع للقراءة والذكر يراه بدعة، وبعضهم يراه أمراً مستحسناً، وكل يعتمد على بعض الأدلة. فهناك من يعتمد على قول ابن مسعود –رضي الله عنه-: “لقد أتيتم بدعة ظلماً، أو لقد فقتم أصحاب محمد علماً”، ومن يعتمد على ظاهر الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس –رضي الله عنهما-: “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده” مسلم (2699)، وهو بظاهره يدل على جواز الاجتماع للقراءة وللتذاكر. وجاء عن الأوزاعي أنه سُئل عن الدراسة بعد الصبح والاجتماع بعد الصبح، وقال: إن ذلك لا بأس به، وقال: أخبرني حسان بن عطية أن أول من أحدثها هشام بن إسماعيل المخزومي في خلافة
عبد الملك بن مروان فأخذ الناس بذلك. فالمسألة فيها خلاف بين العلماء، فبعضهم أنكر ذلك على هشام كمالك رحمه الله تعالى، وبعضهم قال: إن ذلك لا بأس به، وقد ذكر حرب أنه رأى أهل دمشق وأهل حمص وأهل البصرة يجتمعون على القراءة بعد صلاة الصبح، ولكن أهل الشام يقرؤون القرآن كلهم جملة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة وأهل مكة يجتمعون ويقرأ أحدهم عشر آيات والناس ينصتون، ثم يقرأ آخر عشر آيات حتى ينفضوا، قال حرب: وكل ذلك حسن جميل، يراجع بذلك ابن رجب
الحنبلي (جامع العلوم والحكم). أ. هـ
حكم الاجتماع على قيام الليل:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز التطوع جماعة وفرادى؛ لأن النبي
ﷺ فعل الأمرين كليهما، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي
ﷺ ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه)، وفي
صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي
ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً.. إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال:
سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه). قال ابن قدامة في المغني: فصل يجوز التطوع جماعة وفرادى، لأن النبي
ﷺ فعل الأمرين كليهما. أ. هـ
حكم تخصيص ليلة بقيام:
إذا كان لا حرج في الاجتماع لقيام الليل إلا أنه يكره تخصيص ليلة بعينها بالقيام، كليلة الجمعة من كل أسبوع أو ليلة الخميس، بحيث يصبح هذا الأمر ديدنا وعادة، ولكن لا بأس أن تتواعدوا على القيام ليلة كذا من هذا الأسبوع، وفي الأسبوع القادم يتجدد الوعد واللقاء وهكذا، إذا تم الأمر بهذه الصورة فلا بأس. روى الإمام مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله
ﷺ قال: “لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم. والحديث نص على تخصيص
ليلة الجمعة بالقيام، والنهي يشمل غيرها من الليالي.
قال الحموي في غمز عيون البصائر: – وإذا نهى عن هذه الليلة فغيرها بالمنع أولى، لأن التخصيص بدعة، فلو صلى ليلة قبل ليلة الجمعة، أو ليلة بعدها، هل تزول الكراهة كالصوم؟ محتمل. أ.هـ
وقال عميرة في حاشيته على كنز الراغبين:- ولا كراهة في ضم غيرها إليها لحصول الأمان غالباً، سواء كان قبلها أو بعدها، متصلاً بها قبل أو منفصلاً عنها. ا.هـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز التطوع جماعة وفرادى؛ لأن النبي
ﷺ فعل الأمرين كليهما. والأفضل في غير التراويح المنزل، لحديث : ” عليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة “. وفي رواية : “صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة”. ولكن إذا كان في بيته ما يشغل باله ، ويقلل خشوعه ، فالأفضل أن يصليها في المسجد فرادى ؛ لأن اعتبار الخشوع أرجح. وفرق
المالكية في الاجتماع على إحياء الليل بقيامه بين الجماعة الكثيرة والجماعة القليلة ، وبين المكان المشتهر والمكان غير المشتهر ، فأجازوا – بلا كراهة – اجتماع العدد القليل عليه إن كان اجتماعهم في مكان غير مشتهر، إلا أن تكون الليلة التي يجتمعون لإحيائها من الليالي التي صرح ببدعة الجمع فيها ، كليلة النصف من شعبان ، وليلة عاشوراء ، فيكره.