اختلف العلماء في حكم إلزام غير المسلمات في بلاد الإسلام بالحجاب ، بناء على اختلافهم في مطالبة غير المسلمين بفروع الشريعة الإسلامية ، فقال بعضهم بوجوب التزامهن بالحجاب مراعاة للآداب العامة، وقال البعض بعدم التزامهن به لأنه خاص بالمسلمات .
ولكن الكل متفقون على أن الحاكم المسلم من حقه أن يلزمهن بالحجاب إذا كان تبرجهن يؤدي إلى مفسدة ، على أن يلزم المسلمات به أولا .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
الكافر في حال كفره هل هو مخاطب بفروع الشريعة ومكلف بها أم لا ؟
قال النووي : المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور بها ، والمنهي عنها ، ليزداد عذابهم في الآخرة .
وفي ” البحر المحيط ” للزركشي الشافعي :
هل يخاطب الكافر بالفروع ؟
في هذه المسألة مذاهب :
أحدها : أنهم مخاطبون بها مطلقا في الأوامر والنواهي بشرط تقدم الإيمان ، لقوله تعالى : ( ما سلككم في سقر ، قالوا لم نكن من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ، ..) الآيات ، ولأنه تعالى ذم قوم شعيب بالكفر ونقص المكيال ، وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور ، وذم عادا قوم هود بالكفر وشدة البطش بقوله تعالى: ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) ونص عليه الشافعي في مواضع : منها : تحريم ثمن الخمر عليهم .
وقال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي ـ من المالكية ـ : إنه ظاهر مذهب مالك ، وكذلك نقلوه عن أحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه ، وهو محكي عن الكرخي والجصاص من الحنفية أيضا . وقال أبو زيد الدبوسي من الحنفية: إنه قول أهل الكلام ، ومذهب عامة مشايخ أهل العراق من الحنفية ، لأن الكفر رأس المعاصي فلا يستفيد به سقوط الخطاب .
والثاني : أنهم غير مكلفين بالفروع وهو قول جمهور الحنفية ، وبه قال عبد الجبار من المعتزلة والشيخ أبو حامد الإسفراييني من الشافعية.
والثالث : أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر ، لأن الانتهاء ممكن في حالة الكفر ، ولا يشترط فيه التقرب ، فجاز التكلف بها دون الأوامر ،.. ألا ترى أنهم يعاقبون على ترك الإيمان بالقتل والسبي وأخذ الجزية ، ويحد في الزنا والقذف ويقطع في السرقة ، ولا يؤمر بقضاء شيء من العبادات ، وإن فعلها في كفره لم تصح منه ؟
وذهب بعض الشافعية إلى أنه لا خلاف في تكليفهم بالنواهي ، وإنما الخلاف في تكليفهم بالأوامر .
يقول الشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس وعموم فلسطين :
نعم يحق للحاكم المسلم أن يلزم النساء جميعا المسلمات وغير المسلمات بالحجاب؛ أي غطاء الرأس في الأماكن العامة حفاظا على الأخلاق.والستر أمر مطلوب لجميع النساء سواء كن مسلمات أم غير مسلمات
ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور ، الأستاذ بجامعة الأزهر :
إن الإسلام يدعو إلى حماية الأعراض من الاعتداء ، ويطالب بستر العورات ، وكان مما نزل في القرآن في سورة الأحزاب : قوله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذَين ، وكان الله غفورا رحيما )الآية 59.
وقد نزلت سورة الأحزاب في العام الخامس الهجري ، وفي العام التالي ، وهو السادس الهجري نزلت آيات من سورة النور ، وفيها قوله تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ..) الآية 31.
وبمجرد نزول هذه الآيات التزم نساء المؤمنين بالحجاب الذي شرعه الله عز وجل .
ولم نعرف أن الإسلام وهو يطبق هذا الحكم قد طالب غير المسلمات من نساء أهل الكتاب ـ كاليهوديات اللاتي كن كثيرات في المدينة ـ ؛ لم يطالبهن بما طالب به المؤمنات ، ولم ينقل عن أحد الخلفاء الراشدين في البلاد المفتوحة أنه أوجب الحجاب على غير المسلمات ، لأن الحجاب فرع من فروع الشريعة الإسلامية كالصلاة والزكاة ، يطالب بها المسلمون وحدهم .
أما غير المسلمين فلا سلطان لأحد عليهم في هذا الجانب؛ إلا إذا أدى تبرج غير المسلمات الفاضح إلى مفسدة ، فهنا يحق لولي أمر المسلمين أن يدرأ هذه المفسدة بمطالبة غير المسلمات بالتحجب ، أو بعدم التبرج على الأقل ، وهذا ما نراه في هذه المسألة ، والله ولي التوفيق .
ويقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ، الأستاذ بجامعة الأزهر :
نعم الحجاب يلزم غير المسلمات في البلاد التي يطبق فيها الإسلام ، لأن الدين الإلهي على لسان موسى وعيسى وداود عليهم السلام ، فهذه الشرائع كانت توجب على المرأة أن تغطي جسمها عدا وجهها وكفيها ، وذلك الأمر ظاهر في ملابس الراهبات ، ، وهو عنوان التدين ، وليس عنوان الانعزال عن الدنيا والزهد فيها ، وأما التبرج فهو مظهر للخروج على التدين .
فالإسلام يلزم غير المسلمات كأهل الكتاب في بلاد الإسلام بالآداب العامة الظاهرة ، فكما لا يجوز أن يظهروا شرب الخمر والزنى فلا يجوز لهم الإعلان بالتبرج ، ولو كانوا يستحلونه ، ولهم أن يفعلوا ما يشاءون في بيوتهم أو كنائسهم ، بل إن المرأة النصرانية تستحي أن تتبرج أمام القسيس ، فأولى لها أن لا تتبرج في الشارع.(انتهى).
والله أعلم.