جاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتُتيح الأضحية للعباد التقرُّب من ربّهم، وشكره على ما مَنّ به عليهم، كما أنّ فيها استشعارٌ وإحياءٌ لسُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل -عليه السلام-؛ وذلك حين أمر الله -تعالى- إبراهيم بذَبحه، فاستجابا لأمره، إلّا أنّ الله حال بينه وبين ذَبْحه ابنه، وفَداه بكبشٍ عظيمٍ.
وقت ذبح الأضحية لأهل الأمصار والقرى:
الراجح من أقوال أهل العلم أن وقت ذبح الأضحية يبدأ بعد الانتهاء من
صلاة العيد مباشرة، فيجوز الذبح قبل بدء الخطبة، ويجوز في أثنائها. لكن الأفضل انتظار الخطبتين، ويكفي
الفراغ من واحدة من الصلوات إذا اتعددت في المكان. وإن كان المضحي ممن لا يطالب بصلاة العيد كأهل البوادي والخيام، فوقتها يبتدئ بعد مضي قدر صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح. -روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن النبي
ﷺ أنه قال “من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له” -وعن جندب قال: صلى رسول الله
ﷺ يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، فقال “من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح بسم الله ”متفق عليه. ففي هذين الحديثين ربط
ﷺ الإجزاء بالوقوع بعد الصلاة، ولم يربطه بالوقوع قبل الخطبة، ومن رأى من العلماء أن لفظ الصلاة يشمل الخطبة لأنها كالجزء منها، ولأن النبي
ﷺ قال هذا الكلام بعد الفراغ من الصلاة والخطبة فإن استدلاله غير قويم. قال
ابن حجر في الفتح ( واستدل به من اشترط تقدم الذبح من الإمام بعد صلاته وخطبته وذبحه، فكأنه قال: من ذبح قبل فعل هذه الأمور فليعد، أي فلا يعتد بما ذبحه) قال ابن دقيق العيد ( وهذا استدلال غير مستقيم لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة والتعقيب بالفاء) انتهى. والذي نختاره هو أحد أقوال الحنابلة، وهو الذي رجحه ابن قدامة في المغني. قال: ( والصحيح -إن شاء الله تعالى- أن وقتها في الموضع الذي يصلى فيه بعد الصلاة لظاهر الخبر، والعمل بظاهره أولى.
وقت ذبح الأضحية لغير أهل الأمصار والقرى:
أما غير أهل الأمصار والقرى فأول وقتها قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها). لكن قوله: ( قدر الصلاة والخطبة) الراجح أنه للاستحباب بالنسبة لقدر الخطبة، وإنما الواجب هو سبق قدر الصلاة فقط، كما دل عليه الحديثان السابقان.