إحساس الإنسان بشيء يخرج من دبره لا يضره، ولا يترتب عليه شيء، ولا يوجب عليه وضوءا، ولا غسلا، ولا يفسد عليه صلاته سواء أكان هذا الإحساس خارج الصلاة أو داخلها، ودليل ذلك ( شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد. ولا يترتب على هذا الإحساس شيء إلا أن يتحول الإحساس إلى حقيقة محسوسة مسموعة أو مشمومة يستطيع صاحبها أن يحلف أنها كانت، فإن خاف أن يحلف فلا قيمة لها.
فإن صارت حقيقة محسوسة مسموعة أو مشمومة يستطيع أن يحلف أنه سمعها أو شممها ثم صارت له عادة مستمرة لا تبقي له وقتا للصلاة …. فيكون ساعتها صاحب سلس ريح، وهو ما عرفه الفقهاء بانفلات الريح، وفي هذه الحالة عليه أن يتوضأ وضوءا واحدا لكل صلاة، ولا يبالي بما خرج منه…. فإذا جاء وقت فريضة أخرى فعليه أن يعيد الوضوء، أما النوافل فتقع تبعا للوضوء الأول ، ولا يحتاج إلى وضوء جديد.
ولا يفوتنا أن ننصح من هذه حاله بأن يعرض حالته على الأطباء النفسانيين إذا استمرت به هذه الشكوك مما يشبه أن يدخل في الوسواس القهري، وهو مرض معروف في الطب النفسي.
وهذ طائفة من أقوال العلماء:
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :-
إحساس المصلي بشيء يخرج من دبره أو قبله لا يبطل وضوءه ، ولا يلتفت إليه؛ لكونه من وساوس الشيطان ، وقد صح عن النبي ﷺ أنه سئل عن مثل هذا ، فقال : (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) متفق على صحته . انتهى .
ويقول الشيخ : سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة :-
إذا شك المتطهر هل أحدث أم لا؟ لا يضره الشك ولا ينتقض وضوءه، سواء أكان في الصلاة أو خارجها، حتى يتيقن أنه أحدث.
فعن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال :-
شكي إلى النبي ﷺ الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: “لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا”…
وقال ابن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه، أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين. انتهى .
ويقول الشيخ صالح محمد المنجد :-
إذا تيقن الإنسان من خروج الريح منه وجب عليه الوضوء ، أما إذا كان مجرّد تحرّك الريح في البطن أو توهّم خروج الريح فلا يلتفت إليه ، والدليل على أن مجرد تحرك الريح في البطن أو توهم الخروج لا ينقض الوضوء ما ثبت في المتفق عليه من حديث عبد الله بن زيد قال :
( شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) رواه البخاري (1915) ومسلم (540) . قال النووي : هذا الحديث أصل في بقاء حكم الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها .
قال ابن حجر : وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء .أهـ .
والالتفات إلى هذه الشكوك قد يؤدي إلى الوسواس ، فينبغي عدم الالتفات إلى ذلك إلا في حالة تحقق خروج الريح فحينئذ يجب الوضوء . قال النووي في قوله عليه الصلاة والسلام : ( حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا ) ، قال : أن يعلم وجود أحدهما ، ولا يُشترط السماع والشَّمّ بإجماع المسلمين . أهـ والمراد بالعلم : أي ( يتيقن ذلك ) .