لا يجوز التراجع عن الوفاء بمضمون العقد بعد توقيعه إلا بتراضي الطرفين ، وأما نقضه من طرف واحد فحرام بصريح النصوص ، ما دام العقد لم يشتمل على مخالفة شرعية تقتضي الحق بالفسخ.
والحل أن يشترط العاقد لنفسه الخيار لمدة معلومة إذا كان لا يحسن التعاقد ، ليتدارك أخطاءه.
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:
توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعاً، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضى الطرف الآخر، فهذا مخالف لِمَا أمر الله تعالى ورسوله ﷺ، وأكدته نصوص القرآن والسنة. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ “[المائدة/1]. وقال عز وجل: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا “(34) [الإسراء/34] وقال تعالى: “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا” [النحل/91] وحَمَلَ القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: ” إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) [آل عمران/77] واعتبر النبي ﷺ نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية: “أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدَعها” وذكر منها: “إذا عاهد غدر. رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو .
وليس من الضروري أن يكون العقد مكتوباً، فمجرد الإيجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا” متفق عليه عن ابن عمر. فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.
ومثل ذلك لو كان مغبوناً غَبْناً فاحشاً يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبيَّن لها ذلك، عملاً بمذهب الحنابلة وغيرهم.
ويستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أياماً معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي ﷺ أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيراً ما يُخْدَع في البيع، فقال له: “إذا بايعت فقل: لا خِلابة” أي لا خِداع، وهذا في الصحيحين، وفي خارج الصحيحين بسند حسن: “ولي الخيار ثلاثة أيام “، والمسلمون عند شروطهم.
أما فيما عدا ذلك، فالمسلم يحترم كلمته إذا قالها، وهذه إحدى القيم التي دعا إليها الإسلام، حتى يستقر التعامل، وتستقيم حياة الناس. وقد قال الشاعر:
ولا أقول: (نعم) يوماً، وأتبعها بـ (لا)ولو ذهبت بالمال والولد
بل يحرم الإسلام أن يبيع المسلم على بيع أخيه، أي يدخل عليه وقد أوشك أن يعقد الصفقة مع الآخر، فيزايد عليه؛ ليختطف الصفقة منه، وفي هذا جاء الحديث الصحيح: “لا يبيع المسلم على بيع أخيه” متفق عليه ، وعند مسلم : ” ولا يسم المسلم على سوم أخيه ” أي لا يساوم في البيع.