يقول العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم : الإسلام والعلمانية وجها لوجه :
العلمانية” ترجمة غير دقيقة، بل غير صحيحة لكلمة “Secularism” في الإنجليزية، أو “Secularite” أو”Lauque” بالفرنسية، وهي كلمة لا أصل لها بلفظ “العلم” ومشتقاته، على الإطلاق.
فالعلم في الإنجليزية والفرنسية، يعبر عنه بكلمة “Science”، والمذهب العلمي، نطلق عليه كلمة “Scientism”، والنسبة إلى العلم هي “Scientific” أو “Scientifique” في الفرنسية .
ثم إن زيادة الألف والنون، غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعا مثل “رباني” نسبة إلى “رب”، ثم كثرت في كلام المتأخرين، كقولهم: “روحاني، نفساني، ونوراني ..”، واستعملها المحدثون في عبارات، مثل: “عقلاني” و”شخصاني”، ومثلها “علماني “.
والترجمة الصحيحة للكلمة هي “اللادينية” أو “الدنيوية”، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، وهو ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد .
وإنما ترجمت الكلمة الأجنبية بهذا اللفظ “العلمانية”، لأن الذين تولوا الترجمة، لم يفهموا من كلمتي “الدين” و”العلم” إلا ما يفهمه الغربي المسيحي منها. والدين والعلم في مفهوم الإنسان الغربي، متضادان متعارضان، فما يكون دينيًا لا يكون علميًا، وما يكون علميًا لا يكون دينيًا، فالعلم والعقل، يقعان في مقابل الدين، والعلمانية والعقلانية، في الصف المضاد للدين .
وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف، الذي تورده المعاجم، ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة :
تقول دائرة المعارف البريطانية مادة “Secularism”: “وهي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى، رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ “Secularism” تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة .
وظل الاتجاه إلى الـ “Secularism” يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين، ومضادة للمسيحية “.
ويقول قاموس “العالم الجديد” لوبستر، شرحًا للمادة نفسها :
1. الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك على الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات “Practices” يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة .
2. الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية، لا دخل لها في شئون الدولة، وخاصة التربية العامة .
ويقول “معجم أكسفورد” شرحًا لكلمة “Secular”:
3. دنيوي، أو مادي، ليس دينيًا ولا روحيًا، مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة .
4. الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسًا للأخلاق والتربية .
ويقول “المعجم الدولي الثالث الجديد” مادة : “Secularism”:
“اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص، يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية، يجب أن لا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات، استبعادًا مقصودًا، فهي تعني مثلا السياسة اللادينية البحتة في الحكومة”. “وهي نظام اجتماعي في الأخلاق، مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية، على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي، دون النظر إلى الدين “.
ويقول المستشرق “أربري” في كتابه “الدين في الشرق الأوسط” عن الكلمة نفسها :
“إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية، كلها أشكال للادينية، واللادينية صفة مميزة لأوروبا وأمريكا، ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الأوسط، فإنها لم تتخذ أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة، والنموذج الرئيسي لها، هو فصل الدين عن الدول.