حذر الإسلام المسلم في الوقوع في الدين، ومن اضطرته الحاجة للاقتراض فإن الشرع قد حثه على السداد ونفَّره من المماطلة، والمدين الذي لا يسدد دينه لا يخرج عن أحد وصفين إما معسر وإما مماطل، فالمعسر المستحب أن ينظر وأن تمد له المهلة، أما المماطل فهناك وعيد شديد له ومتوعد بعدم دخول الجنة حتى يسدد دينه إما من ماله في الدنيا أو من حسناته في الآخرة.

من هو المعسر والمماطل في الدين

يقول فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم ـ داعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ـ السعودية:

لا بُـدّ أن يُعلم أن هناك فرق بين المعسر الذي لا يستطيع الوفاء، وبين الغني المماطل.

فالأول هو المعني بقوله عز وجل : {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
قال الإمام النووي – رحمه الله – : وأن المعسر لا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا سجنه . ثم نسب هذا القول إلى جمهور العلماء .

وأما النوع الثاني ، وهو الغني المماطل فهذا تجوز مطالبته ولا يحل له أن يُماطِل صاحبه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : مَطل الغنيّ ظُلم . متفق عليه .أهـ

فضل إنظار المعسر

-وقد ورد في فضل إنظار المعسر قوله عليه الصلاة والسلام : “تلقّت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ، فقالوا : أعملت من الخير شيئا ؟ قال : لا . قالوا : تذكر . قال : كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ، ويتجوزوا عن الموسر .قال الله عز وجل : تجازوا عنه” . متفق عليه .

كما ورد الحث على وضع شيء من الدّين ليستطيع المدين السداد  ، فهذا كعب بن مالك لما تَقاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيناً كان له عليه في المسجدِ فارتَفَعَتْ أصواتُهما حتى سَمِعَها رسولُ اللّهِ وهو في بيتهِ ، فخرجَ إِليهِما حتى كشفَ سِجْفَ حُجرَتهِ فنادَى : “يا كعبُ . قال : لبّيْكَ يا رسولَ اللّهِ . قال : ضَعْ مِن دَينِكَ هذا . وأَومأَ إِليه ، أَي الشّطرَ ، قال : لقد فعَلتُ يا رسولَ اللّهِ ، قال: قُم فاقْضِه” . متفق عليه .

الترهيب في المماطلة في الدين

يقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه بجامعة القدس بفلسطين [بتصرف]:
مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في الدين تساهلاً كبيراً فتراهم يشترون البضاعة ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلام رواتبهم أو حتى نهاية الشهر أو نحو ذلك ثم يماطلون ويسوفون في سداد الدين وقد تمضي عليهم الشهور والسنون وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء ديونهم ، إن ما يقوم به هؤلاء الناس ما هو إلا أكل لأموال الناس بالباطل.

-وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) سـورة النســاء الآية 29 .

-وقد حذر النبي أمثال هؤلاء الذين يأخذون أموال الناس ويماطلون فيها فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة الله عليه وسلم قال : “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله” رواه البخاري .

-وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : “كانت ميمونة تدان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك ولاموها ووجدوا عليها فقالت : لا أترك الدين وقد سمعت خليلي وصفيي يقول : ما من أحد يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا” رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة 2/52 ..
-وقد كان النبي يتعوذ من الدين كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : “دخل رسول الله ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالساً فيه فقال : يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال : أفلا أعلّمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال : قل إذا أصبحت وأمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال . قال : فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني” رواه أبو داود .

ويجب أن يعلم أن هؤلاء الذين يتلاعبون بأموال الناس ويماطلون في تسديد الدين أن المماطلة في أداء الدين محرمة مع القدرة على الأداء فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول قال : “مطل الغني ظلم” متفق عليه .
قال الإمام النووي : قوله : “مطل الغني ظلم” قال القاضي وغيره : المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/174-175 .

من مات وعليه دين

لا ينبغي لأحد من الناس أن يتساهل في الدين وخاصة أن الإنسان قد يموت وهو مدين ويكون بذلك على خطر عظيم لأن نفس المؤمن تكون معلقة بدينه ، فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال : “تـوفي رجـل فغـسّلناه وكفّناه وحنّطناه ثم أتينا به رسول الله يصلي عليه ، فقلنا : تصلي عليه ؟ فخطا نـحوه خطوة ثم قال : أعليه دين ؟ قلنا : ديناران ، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه ، فقال أبو قتادة : الديناران عليّ ، فقال رسول الله : قد أوفـى الله حـق الـغريم وبرئ منهما الميت ؟ قال : نعم فصلى عليه ، ثم قال بعد ذلك بيوم : ما فعل الديناران ؟ قلت : إنما مات أمس ، فعاد إليه من الغد فقال : قد قضيتهما ، فقال رسول الله : الآن بردت جلدته” رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2/591. .

ومن المعلوم عند أهل العلم أن أداء الدين واجب باتفاق بدلالة الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم مال الغير كما قال القرطبي في تفسيره 3/415 .
ولأهمية قضاء الدين من أموال الميت فهو مقدم على الوصية وإن ذكرت قبله في قول الله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) سورة النساء الآية 12 ، وعلى هذا أكثر أهل العلم . وكذلك فإن الدين يقضى عن الميت قبل توزيع تركته .