الغيبوبة بتأثير المرض أو البنج في عصرنا يأخذ حكم الإغماء، وقد اختلف الفقهاء في حكم تكليف الإنسان أثناء هذه الفترة فيطالب بقضاء الصلاة التي فاتته أثناء هذه المدة أم لا ؟

والراجح ما ذهب إليه المالكية أنه لا يكلف بقضائها.

جاء في الموسوعة الفقهية الطبية:

الإغماء يرفع التكليف: لا تختلف أحكامُ الإغماءِ وإن اختلفت أسبابُه، لأن المُعَوَّلَ عليه في هذه الأحكام هو فقدانُ الوعي الذي يحصل من الإغماء، وبما أن العقل هو آلة الوعي، وهو المعوَّل عليه في التكاليف الشَّرعيَّة ، فإنَّ التَّكليفَ يُرْفَعُ عن المغمى عليه حالَ إغمائه، لقول النبيِّ – – : ( رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ : عن النائمِ حتى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ ، وعن المجنونِ حتَّى يعقل.

وأما عن الوضوء والصلاة فقد أجمع الفقهاءُ على أن الإغماء ينقض الوضوءَ والتيممَ قياساً على النوم، وذهب المالكية والشافعية وهو قول عند الحنابلة إلى أن المغمى عليه لا يَلْزَمُهُ قضاءُ الصلاة التي أغمي عليه خلال وقتها إلا أن يفيق في جزء من وقتها ..

وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إن أغمي عليه خمس صلوات وجب عليه قضاؤها، فإن زادت عن خمس سقط القضاء في الكل، لأن ذلك يدخل في التكرار فأُسقط القضاءُ كما هي الحال في الجنون، وذهب الحنابلة إلى أن المغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي فاتته حالَ إغمائه. انتهى.

ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

ومن كان جنونه متقطعًا، فهو مكلف في المدة التي يعود إليه فيها عقله فقط.
وألحق بعض الفقهاء به من يعتريه إغماء أو غيبوبة مرضية، يفقد فيها وعيه مدة تقصر أو تطول، فهو خلال غيبوبته غير مكلف بصلاة ولا صيام.
فإذا أفاق بعد أيام من إغمائه وغيبوبته، فليس عليه أن يقضي صيام تلك الأيام الماضية، لأنه كان فيها غير أهل للتكليف.

وبعضهم رأى أن عليه قضاء ما فاته أثناء الإغماء، أو الغيبوبة، معللاً ذلك بأن الإغماء مرض، وهو مغط للعقل غير رافع للتكليف، ولا تطول مدته، ولا تثبت الولاية على صاحبه، ويدخل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

وهذا مسلَّم في الإغماء القصير الذي يستغرق يوما أو يومين، أو نحو ذلك، أما الغيبوبة الطويلة التي عرفها الناس في عصرنا، والتي قد تمتد إلى شهر أو أشهر أو سنين ! وخصوصًا مع أجهزة الإنعاش الصناعي، فهذه أشبه بحالة الجنون، الرافع للتكليف في حالة وجوده، وتكليف مغيَّب الوعي هنا بالقضاء فيه حرج عليه، وما جعل الله في الدين من حرج.انتهى.

ويقول الشيخ ابن العثيمين – رحمه الله – في حكم قضاء من زال عقله بالإغماء أو البنج :

..هذا محلُّ خِلاف ، فمن أهل العلم من قال: إن زالَ عقلُهُ بشيء مباح فلا قضاء عليه؛ لأنَّه معذور. والذي يترجَّحُ عندي: أنه إن زال عقلُهُ باختياره فعليه القضاء مطلقاً، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه.