المعتدة بسبب طلاق أو وفاة، فالواجب عليها أن تمكث حتى تنقضي عدتها ولا يجوز لها الشروع في سفر لا لحج، أو غيره، ولكن إذا كانت المرأة قد تقرر موعد سفرها قبل انقضاء عدتها، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لها أن تخرج، وإن خرجت للحج فحجها صحيح ولكنها تأثم، وذهب الظاهرية إلى أنه لا حرج عليها في الخروج لأداء حجة الإسلام، ولا حرج في الأخذ بمذهب الظاهرية وبخاصة في هذه الأيام التي أصبح فيها الحصول على تصريح لأداء الفريضة أمر ليس باليسير..

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا تخرج المعتدة إلى الحج في عدة الوفاة ; لأن الحج لا يفوت , والعدة تفوت . روي ذلك عن عمر وعثمان , وبه قال سعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي . وروي عن سعيد بن المسيب قال : توفي أزواج نساؤهن حاجات أو معتمرات , فردهن عمر رضي الله عنه من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن .

فإذا خرجت المرأة إلى الحج فتوفي عنها زوجها وهي بالقرب , أي دون مسافة قصر الصلاة , رجعت لتقضي العدة ; لأنها في حكم الإقامة . ومتى رجعت وقد بقي من عدتها شيء , أتت به في منزلها . وإن كانت قد تباعدت بأن قطعت مسافة القصر فأكثر , مضت في سفرها ; لأن عليها في الرجوع مشقة , فلا يلزمها . فإن خافت أن تتعرض لمخاطر في الرجوع , مضت في سفرها ولو كانت قريبة ; لأن عليها ضررا في رجوعها . وإن أحرمت بعد موته لزمتها الإقامة ; لأن العدة أسبق .

وفي رأي للحنفية : أن المرأة إذا خرجت إلى الحج , فتوفي عنها زوجها , فالرجوع أولى لتعتد في منزلها , فلا ينبغي لمعتدة أن تحج , ولا تسافر مع محرم أو غير محرم , فقد توفي أزواج نساؤهن حاجات أو معتمرات , فردهن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من قصر النجف . فدل على أن المعتدة تمنع من ذلك .

أما المالكية فيقولون: إذا أحرمت بحج أو عمرة , ثم طرأت عليها عدة بأن توفي زوجها , بقيت على ما هي فيه , ولا ترجع لمسكنها لتعتد به ; لأن الحج سابق على العدة . وإن أحرمت بحج أو عمرة بعد موجب العدة من طلاق أو وفاة , فإنها تمضي على إحرامها الطارئ , وأثمت بإدخال الإحرام على نفسها بعد العدة بخروجها من مسكنها .

ولم يعتبر الشافعية المسافة التي تقطعها المحدة المحرمة بالأيام التي تقصر فيها الصلاة . ولكن قالوا : إن فارقت البنيان , فلها الخيار بين الرجوع والتمام ; لأنها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه وهو السفر , فأشبه ما لو بعدت .

ومثل الحج كل سفر , فليس لها أن تنشئ ذلك السفر وهي محدة .

وذهب أبو يوسف ومحمد إلى أنه إذا كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد .

وحاصل ما تفيده عبارات فقهاء المذاهب المختلفة أنه إذا أذن الزوج بالسفر لزوجته , ثم طلقها , أو مات عنها وبلغها الخبر , فإن كان الطلاق رجعيا فلا يتغير الحكم ; لقيام الزوجية , حتى لو كان معها في السفر تمضي معه , وإن لم يكن معها والطلاق بائن وكانت أقرب إلى بيت الزوجية وجب عليها أن تعود لتعتد وتحد في بيت الزوجية . وإن كانت أقرب إلى مقصدها فهي مخيرة بين المضي إلى مقصدها وبين العودة , والعودة أولى . إلا أن المالكية يوجبون العودة , ولو بلغت مقصدها , ما لم تقم ستة أشهر , إلا إذا كانت في حجة الإسلام وأحرمت فإنها تمضي عندهم في حجتها .

ويقول فضيلة الدكتور عبد الفتاح إدريس :

المرأة التي تأهبت للسفر لأداء فريضة الحج وقد تُوفي زوجها في هذه الأثناء يجب عليها أن تعتد لوفاة زوجها هذا، ومدة العدة أربعة أشهر وعشرا إذا كانت هذه المرأة حائلاً (غير حامل)، وعدتها بوضع الحمل إذا كانت حاملاً؛؛ بالنصوص الواردة في هذا. وهذه العدة إنما أوجبها الله سبحانه وتعالى عليها للإحداد على زوجها، وهي تقتضي منها عدم الخروج من بيتها إلا إلى ما لا بد لها منه؛ كالذهاب إلى الطبيب أو قضاء بعض الحاجيات الضرورية أو نحو ذلك، فهذا يغتفر لها.

وأما سفرها لأداء فريضة الحج فإذا كانت هذه هي حجة الإسلام فإنها تكون قد خالفت النص الذي أوجب عليها القرار في منزل الزوجية حتى تنقضي عدتها، ولهذا فإنها تكون آثمة بهذا الخروج. ولكن أدائها لهذه الفريضة تتوقف صحته على إتيانها لأركان الحج ومناسكه؛ فإذا أتت بهذه الأركان والمناسك كاملة فقد أجزأها حجها هذا عن حجة الإسلام، وإن أفسدت حجها بأي من مفسدات الإحرام فقد بطل حجها هذا. ولكن في جميع الأحوال هي آثمة بخروجها لأداء هذه الفريضة في وقت إحدادها على زوجها.