ذكر العلماء أن الطلاق هو آخر الدواء، وآخر محطات الحياة الزوجية، وجعل بيد الرجل لتعقله، ولأن آثاره تكون عليه، وإذا كان الطلاق من حق الرجل فلا يخلو الأمر من إثم إذا قصد بذلك إضرار المرأة، ويجب أن يراعي الرجل استمرار أسرته لأنه مسئول عنها.

يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:

الطلاق إنما شُرع حلاً للمشكلات التي تنشأ في الأسرة ولا يمكن حلها، والطلاق خلاف الأولى وخلاف الأصل، فينبغي أن يكون بناءً على سبب، وإلاّّ كان استعمال الطلاق في غير موضعه وقد يكون وسيلة في هذه الحال للإضرار بالغير.

وقد ذكر الفقهاء أن الأصل في الطلاق الحظر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق” (أبو داود) والطلاق فيه كفران بنعمة الزواج، قال تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” (الروم)، فإذا استفحل الخلاف بين الزوجين، ولم يمكن إصلاحه بأي طريق، كان الطلاق هو الحل، فإذا لم يكن هناك سبب فنخشى أن يكون هذا الفعل داخلاً في قوله تعالى: “والله لا يحب الفساد” (البقرة).

فهذا الفعل وما ترتب عليه مما لا يحبه الله تعالى، وداخل في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” (رواه أحمد)، لكن الحكم يختلف قطعاً ويترتب على المطلق الإثم إذا طلق الرجل المرأة مضارة لها أو لأهلها، أو لأخذ مال منها أو انتقاماً لفعل صدر من أهلها، ولا دخل لها فيه، وما إلى ذلك من المقاصد غير المشروعة، فصاحبها يستحق الإثم.

وعلى الرجل أن يتذكر رقابة الله، وما تحمّله من أمانة الأسرة والأولاد، وأن الله أكرمه بزوجة لم يجد عليها شيئاً يطلقها بسببه، وعليه أن يدعو الله أن يحببها إليه ويطرد عنه وساوس الشيطان، فإنه إن كره منها خلقاً فإن فيها من الأخلاق ما هو محمود. أ.هـ

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى-:

إن القرآن الكريم رغب في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاء على الأسرة، وحرصًا على استمرارها .

قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). (سورة النساء).

فأما الزوجة المطيعة الموافقة، فلا وجه لإيذائها بالفرقة، وإيحاشها بالطلاق، مع عدم الحاجة إليه، إلا أن يكون ضربًا من البغي عليها، ولاسيما إذا كانت ذات أولاد منه .

وقد قال تعالى في شأن الناشزات من الزوجات: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا). (سورة النساء).

فإذا كان البغي منهيًا عنه، ولو على المرأة الناشز ما دامت قد عادت إلى الطاعة والموافقة، فكيف بالنساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله ؟‍!.

نجد أن الطلاق، كما قال صاحب ” الهداية ” من الحنفية: ” قاطع للنكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية. (رد المختار).

وأنه – كما نقل صاحب ” المغني ” من الحنابلة – ضرر بالزوج وبالزوجة، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حرامًا كإتلاف المال، ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” لا ضرر ولا ضرار “. (المغني لابن قدامة والحديث رواه ابن ماجة والدارقطني، وهو صحيح بمجموع طرقه).

إنه كما ذكر ابن عابدين من متأخري الحنفية – إذا كان بلا سبب أصلاً، لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران بالنعمة، وإخلاص الإيذاء بها (بالمرأة) وبأهلها وأولادها … فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر . ولهذا قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) أي لا تطلبوا الفراق. (رد المختار السابق).