أمّا أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شكّ فيه، قال تعالى : (ونُنزِّلُ مِن القُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ للمُؤمِنينَ) [الإسراء: 82] وقال : (يا أيُّها الناسٌ قد جاءتْكُمْ مَوْعِظةٌ من ربِّكُمْ وشِفاء لِما فِي الصُّدورِ) [يونس : 57].
وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعُمّ الشفاء من الأمراض العقليّة والنفسيّة والخلقيّة والجسميّة، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك.
فهو يصحِّح الفكر والعقيدة، ويُهذِّب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة، ويقوِّم السّلوك بالأخلاق الحميدة، ويُزيل العِلَل والأمراض التي تعتري الأجساد.
وقد روى البخاري ومسلم حكاية سيّد الحي الذي لُدِغ، ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب، فشفاه الله، وأخذوا على ذلك أجرًا أقرّهم عليه النبي ـ ﷺ ـ وقال : “إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله تعالى” والحديث بطوله موجود في زاد المعاد لابن القيم “جـ 3 صـ 121″، وذكر أن ابن ماجه روى في سننه من حديث علي قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ “خير الدّواء القرآن”، ووضَّح تأثير العلاج بالقرآن توضيحًا كبيرًا يمكن الرجوع إليه.
وقال بعض العلماء : إن المُراد بشِفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام، بدليل أن النبي ـ ﷺ ـ أخبر أن لكلِّ داءِ دواءً إلا الموت أو إلا الهَرَم، وأمر بالتّداوي، عند المختصّين كالحارث بن كَلَدة، وعالج بالفَصْد والحِجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضّحه ابن القيم في كتاب الطب النبوي.
والحق أن علاج الأمراض البدنيّة مطلوب عند المختصِّين، والقرآن هو الذي أرشد إلى ذلك، بسؤال أهل الذّكر، وبالأمر بالتعلم والإفادة.
مع الإيمان بفاعليته في العلاج الفكري والنفسي، وقد ذكر السيوطي في “الإتقان” جـ 2 صـ 163 طرفا من خواص القرآن في العلاج العام، وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود “عليكم بالشِّفاءين العسل والقرآن” وحديث اللّديغ سيد الحي وعلاجه بفاتحة الكتاب الذي رواه البخاري ومسلم، وذكر حديث الطبراني عن علي قال : لَدغت النبي -ﷺ- عقربٌ، فدعا بماء ومِلح وجعل يمسح عليها ويقرأ : قل يا أيُّها الكافرون والمَعوذتين.
ثم ذكر السيوطي أن النووي قال في شرح المهذب : لو كُتِبَ القرآن في إناء ثم غسله وسَقاه المَريض فقال الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي : لا بأس به، وكرهه النخعي، قال : ومقتضى مذهبنا -الشافعية- أنه لا بأس به.
قال الزركشي : وممَّن صرح بالجواز في مسألة الإناء العماد النيهي، مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية، لكن أفتى ابن عبد السّلام بالمنع من الشرب أيضًا؛ لأنه يُلاقي نجاسة الباطن، وفيه نظر.
هذا ما نقل عن العلماء في جواز العلاج بالقرآن قراءة من الجواز، فهو نافع إن شاء الله وبخاصّة إذا كان القارئ صالحًا ترجَى بركتُه، أو دَعا الله بعد قراءة القرآن، فقد يَستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبي -ﷺ- في علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل الماديّة مع قراءة القرآن.
ورأينا اختلاف العلماء في كتابه القرآن ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مُجيز ومانع، مع تحرُّزهم مِن تعرّض القرآن للنجّاسة أو الإهانة.