صلة الأرحام من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف، لما فيها من التكافل الاجتماعي والتعاون والتضامن والشعور بدفء القرابة ولذلك يقول الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم )، فقرن الله عز وجل في هذا الاستفهام الإنكاري بين الفساد في الأرض وقطيعة الرحم لأنهما من جنس واحد، وتوعد قاطع الرحم بالعمى واللعن والطرد من رحمته التي وسعت كل شيء.
وقد جاء أيضًا في الحديث أنه أول ما خلق الله الرحم تعلقت بعرش الرحمن وقالت: هذا مقام العائذ بك، فقال لها: ألا ترضين أن أصلك من وصلك وأقطع من قطعك، وحذر النبي ﷺ من قطع صلة الرحم وقال: إنها الحالقة، لا أقول حالقة الشعر بل حالقة الدين، يعني أنها تزيل أصول الدين من القلوب والعياذ بالله.
وينبغي على كل قريب أن يصل قريبه بقدر حاجة كل منهما وقدرته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأقل ما يمكن أن يوصف به صلة الرحم أن يطمئن القريب على قريبه ولو عن طريق التليفون، فهذا أفضل من القطيعة الدائمة وعدم التعرف على أحوال كل منهما بالنسبة للآخر.
وأقصى مدة لذلك ألا تصل إلى درجة القطيعة والهجر، وقد حدد النبي ﷺ الهجر بثلاثة أيام فقال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.. يلتقيان فيعرض هذا ويعرض ذاك وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
وأما بالنسبة للأهل سيئي المعاملة فإنه لا يجوز مقابلة إساءتهم بمثلها، ولا مكافأتهم على سوء صنيعهم بالقطيعة، حتى لو كانوا يسيئون إلى القريب نفسه بالغيبة والنميمة والحسد والحقد، فإن أحد الصحابة قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال له النبي ﷺ: “إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل (التراب المحمي) ولا يزال معك من الله عليهم ظهير”، فالنبي ﷺ لم يقره على محاولة قطيعتهم، بل حثه على مواصلة صلته ولقوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” هذا بالنسبة للعدو.. فالقريب من باب أولى.