يجب على الإنسان أن يوصي بما عليه من ديون، وإذا مات الإنسان قبل أن يتمكن من سداد ما عليه من الديون ، فالقاعدة كما جاء في حديث النبي ﷺ: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله.
فإذا كان الميت قد نوى السداد لكنه لم يستطع السداد لفقره، فلا إثم عليه في التأخر في السداد، والأفضل للورثة أن يقضوا عنه تبرئة لذمته، فإن الدين يحبس الميت، ويمنعه من دخول الجنة، وللأولاد أن يقضوا هذا الدين حسب استطاعتهم، كل واحد على قدر استطاعته، وهذا القضاء لا يجب عليهم، لكنهم إذا لم يفعلوا فقد ضيعوا والدهم، وتركوه لمصير لا يعلمه إلا الله، وليس هذا من البر في شيء. وهذا كله إذا لم يكن للمتوفى مال تركه، فإذا كان له تركة وجب سداد ديونه منها قبل توزيعها على الورثة. ولا يشترط في ثبوت الدين وجود ورقة مكتوبة، بل إذا يثبت الدين بأية بينة.
يقول الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى- من كبار علماء الأزهر:-
إذا مات الإنسان وعليه دَيْن لغيره وَجَب أن يقوم ورثته بسداد الدَّيْن قبل تقسيم التركة، وكما قال تعالى في آية المواريث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن) (سورة النساء: 11) وذلك إذا كان عنده ما يسد به الدَّيْن، فإن لم تُوجد له تَرِكَة تفي بسداد الدَّيْن فلا يجب على الورثة شيء، وإن كان من السُّنة أن يقوموا هم بذلك حتى تنزل عليه رحمة الله، فهي لا تزال محبوسة عنه. ويمكن لغير أهله أن يتصدقوا بسداد دَيْنه حتى يرحمه الله.
ومَحَلُّ حَجْب الرحمة عنه حتى يُسد دَيْنُه إذا كان ناويًا قبل الموت ألا يُسد الدين، أما إذا كان ناويًا السداد فنرجو ألا يحجب الله عنه رحمته، لقول النبي ـ ﷺ ـ “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله” رواه البخاري.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يُؤْتى بالرجل الميت عليه الدَّيْن فيسأل “هل تَرَكَ لدينه قضاء”؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال “صلوا على صاحبكم” فلما فتح الله عليه الفتوح قال: “أنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته” وفي حديث الطبراني “من دان بدَيْن في نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء” وروى أحمد وأبو نعيم والبزَّار والطبراني عن النبي ـ ﷺ ـ “يُدعى صاحب الدَّيْن يوم القيامة حتى يُوقف بين يدي الله عز وجل فيقول: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدَّيْن، وفيم ضيَّعت حقوق الناس؟ فيقول: ياربِّ إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى عليَّ إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله: صدق عبدي، وأنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيء فيضعه في كِفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته”.
والميت الذي عليه دَيْن لم ينوِ الوفاء به تُحْجَب عنه الرحمة، كما قال النبي ـ ﷺ ـ “نَفْسُ الميت مُعَلَّقَة بدَيْنه حتى يُقضى عنه” رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن، وإذا كان الشهيد نفسه، وهو من هو منزلةً عند الله، لا ينال هذه الدرجة إذا كان عليه دَيْن للعباد، كما صحَّ في الحديث “يُغْفَرُ للشهيد كلَّ شيءٍ إلا الدَّيْن” رواه مسلم، فكيف بغير الشهيد؟
وقد أخبر النبي ـ ﷺ ـ عن المُفْلِس يوم القيامة فقال: “إن المُفْلِسَ من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شَتَمَ هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دمَ هذا وضرب هذا، فيُعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فَنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ثم طُرِحَ في النار” رواه مسلم وروى البخاري مثله بلفظ “من كانت عنده مَظْلَمة لأخيه، من عِرْضِه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
إنَّ الدَّيْن خطير تجب المبادرة بسداده قبل الموت وقبل أن تكون المواجهة بين المدين وأصحاب الحقوق يوم القيامة فربما لا يسامحون، وقد ثبت أن النبي ـ ﷺ ـ تذكَّر في الصلاة أن في بيته بعض الأموال لم تُسَلَّم إلى أصحابها، فتوجه بعد الانتهاء منها بسرعة لافتة للنظر وأمر بدفعها إلى أصحابها وعاد إلى المسجد ولمَّا سألوه قال: “تذكرت مالاً فخشيت أن يحبسني” أي يحبسه الله يوم القيامة ويسأله: لِمَ لم تؤده. رواه البخاري.
ومن أراد التوسعة في معرفة خطر الدَّيْن على الميت فليراجع “نيل الأوطار ج 4 ص 25، وتفسير القرطبي ج 4 ص 272″.
والله تعالى أعلم.