للمأموم عند إزدحام المسجد وعدم القدرة على السجود على الأرض مباشرة عدة أحوال: وذلك أنه إذا تمكن من السجود على ظهر من أمامه أو رجله فعليه أن يسجد على ما تيسر له على ما ذهب إليه الجمهور، وخيره بعضهم بين السجود على ما تيسر وبين الانتظار حتى يفرغ من أمامه، وقد رجع الشافعي عن هذا القول .
وإذا لم يتيسر له السجود على رجل من أمامه ولا ظهره لضيق المكان، فليس أمامه سوى أن ينتظر ، فإذا فرغ من أمامه فيسجد، ويقضي ما فاته ليدرك إمامه.
قال العلامة ابن حزم في محلاه:-
ومن لم يجد للزحام أن يضع جبهته وأنفه للسجود فليسجد على رجل من أمامه أو على ظهر من أمامه وبه يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والشافعي
وقال مالك لا يسجد على ظهر أحد برهان صحة قولنا قول الله تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقول رسول الله ﷺ “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
وروينا عن معمر عن الأعمش عن المسيب بن رافع أن عمر بن الخطاب قال من آذاه الحر يوم الجمعة فليبسط ثوبه ويسجد عليه ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر رجل.
وعن الحسن إذا اشتد الزحام فإن شئت فاسجد على ظهر أخيك وإن شئت فإذا قام الإمام فاسجد وعن طاوس إذا اشتد الزحام فأوميء برأسك مع الإمام ثم اسجد على أخيك ،وعن مجاهد سئل أيسجد الرجل في الزحام على رجل الرجل قال نعم، وعن مكحول والزهري مثل ذلك.انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني :-
إذا زحم في إحدى الركعتين , لم يخل من أن يزحم في الأولى أو في الثانية , فإن زحم في الأولى , ولم يتمكن من السجود على ظهر ولا قدم , انتظر حتى يزول الزحام , ثم يسجد , ويتبع إمامه , مثل ما روي عن النبي ﷺ في صلاة الخوف بعسفان , سجد معه صف , وبقي صف لم يسجد معه , فلما قام إلى الثانية سجدوا , وجاز ذلك للحاجة , كذا هاهنا . فإذا قضى ما عليه , وأدرك الإمام في القيام , أو في الركوع , أتبعه فيه , وصحت له الركعة , وكذا إذا تعذر عليه السجود مع إمامه , لمرض , أو نوم , أو نسيان ; لأنه معذور في ذلك , فأشبه المزحوم . فإن خاف أنه إن تشاغل بالسجود فاته الركوع مع الإمام في الثانية , لزمه متابعته , وتصير الثانية أولاه . وهذا قول مالك .
وقال أبو حنيفة : يشتغل بقضاء السجود ; لأنه قد ركع مع الإمام , فيجب عليه السجود بعده , كما لو زال الزحام والإمام قائم وللشافعي كالمذهبين . انتهى.
وقال الشيرازي الشافعي في المهذب – رحمه الله تعالى – :
وإن زوحم المأموم عن السجود في الجمعة- ذكر الجمعة هنا لأنه مظنة الزحام- نظرت فإن قدر أن يسجد على ظهر إنسان لزمه أن يسجد ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : { إذا اشتد الزحام فليسجد , أحدكم على ظهر أخيه } وقال بعض أصحابنا : فيه قول آخر قاله في القديم : أنه بالخيار , إن شاء سجد على ظهر إنسان وإن شاء ترك حتى يزول الزحام ; لأنه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة , وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود على الأرض فخير بين الفضيلتين , والأول أصح ; لأن ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الأرض فإنه يسجد على حسب حاله ولا يؤخر , وإن كان في التأخير فضيلة السجود على الأرض .