ثبت في الصحيحين أن يهودية سمَّت النبي ـ ﷺ ـ في شاة ، فأكل منها لُقمة ثم لَفَظَهَا، وأكل معه ثلاثة منهم بِشر بن البراء ، والتي قامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم ، وقد احتجم على كاهله ، وأمر مَنْ أكل منها فاحتجم فمات بعضهم .
وهناك خلاف في الاقتصاص منها ، كما أن هناك خلافًا في كيفية أكل النبي منها ، هل مضغها ثم لفظها ، أو ابتلعها ، وبقي الرسول ـ ﷺ ـ بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات حتى قال في وجعه الذي مات فيه ” ما زلتُ أجد من الأَكْلَة التي أكلت من الشاة يوم خيبر ، فهذا أوان انقطاع الأبهر مني ” .
قال الزهري : فتوفي رسول الله ـ ﷺ ـ شهيدًا (زاد المعاد ـ خيبر) والأبهر عِرْق مستبطن بالصلب مُتصل بالقلب ، إذا انقطع مات صاحبه فكان ابن مسعود وغيره يرون أنه ـ ﷺ ـ مات شهيدًا من السُّم الذي تناوله في خيبر .
يقول الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ” ج8 ص260 ” : ومن المعجزة أنه لم يُؤثر فيه في وقته ؛ لأنهم قالوا : إن كان نبيًّا لم يضره ، وإن كان مَلَكا استرحنا منه فلمَّا لم يُؤثر فيه تقينوا نبوته حتى قيل : إن اليهودية أسلمت ، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة .
وحادث السُّم رواه البخاري بطوله في الجزية باب ” إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يُعفى عنهم ” وذكره في الطب بطوله أيضًا في باب ” ما يذكر في سم النبي ﷺ ” واختصره في غزوة خيبر في باب ” الشاة التي سُمَّت للنبي ” وقيل: إنها أخبرته بأنها مسمومة ، فقال لأصحابه : ارفعوا أيديكم ، وكان الذي حَجَمَه هو أبو هند أو أبو طيبة .
هذا مُجمل ما جاء في هذه الحادثة من الروايات عن وضع السُّم للرسول ، وأنه مات متأثرًا به فمات شهيدًا أو غير شهيد، فمقام النبوة لا يعدله مقام ، ويكفي أن الله نجاه من السم القاتل لساعته ، فكان معجزة تُصدق رسالته ، والموت مكتوب عليه كما هو مكتوب على غيره ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (سورة الزمر : 30) .