لابد من التحري عند دفع الصدقة، كأية عبادة يؤديها الإنسان لابد أن تكون كما قرر الشرع في حَجْمِهَا وكيفيتها ووقتها وغير ذلك.
إنَّ حُسن الظن بطالب الصَّدقة يشفع في قبولها عند الله لو ظَهَرَ خلاف الظن، وأوردنا في ذلك حديث البخاري الذي أخذ فيه معن ابن الصحابي “يزيد” صدقة أبيه وكان ينوي إعطاءها لغيره: وقول الرسول ـ ﷺ ـ “لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن” وحديث الصحيحين فيمن ظهر أن صدقته وقعت في يد سارق ويد زانية ويد غني، وأن الله تقبَّلها.
وإذا حمل ذلك على صدقة التطوع وهي النافلة فهل يصدق على الزكاة الواجبة إذا ظهر أنها وقعت في غير موقعها؟ جاء في المُغني لابن قدامة “ج 2 ص 528” قوله وإذا أعطى من يظنه فقيرًا فكَانَ غنيًا فَعَن أحمد فيه روايتان، إحداهما يُجْزئه وذكر أنه مذهب أبي حنيفة، واستشهد بحديث رواه النسائي وأبو داود: أن رجلين طلبا من النبي ـ ﷺ ـ صَدَقة مما كان يوزعه في حِجَّة الوداع فرآهما قويين، فقال لهما “إن شئتما أعطيتكما ولا حظ لغني ولا لقوي مكتسب” قال الخطابي: هذا الحديث أصل في أن من لم يُعْلَمْ له مال فأمره محمولٌ على العدم، كما استشهد بحديث الصحيحين في الرجل الذي تصدق فظهر أن المُتَصَدَّق عليه غني، وتحدَّث الناس بذلك، وأن الرسول أخبره أن صدقته قُبلت. لعل الغني يعتبر، والرواية الثانية لأحمد أنها لا تُجزئ، وهو قول أبي يوسف. وأما الشافعي فله قولان كالروايتين الواردتين عن أحمد. وذكر ابن قدامة تعليلاً للرواية بالجواز أن الفقر والغِنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته. قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) (سورة البقر’ : 273) فاكتفى بظهور الفقر ودعواه.