الموضوع ينقسم إلى شقين: الدراسة، والاحتراف..

والدراسة كأي علم من العلوم لا حرج عليها إذا كانت دراسة جادة لموضوع جاد..
والتمثيل -كأي وسيلة من وسائل التعبير والتجسيم- له حدوده وضوابطه فقد يكون التمثيل تجسيداً لقيمة كريمة، واسترجاعاً لتاريخ عظيم، وقد يكون غير ذلك، والتمثيل -في العصر الحديث- مسرحيا أو سينمائيا يرتبط بصناعات أخرى كالإخراج والتصوير و”الماكياج”، كما تحيط به محاذير أخرى كالاختلاط والسهر والخروج في الأداء.. وواقع التمثيل في هذا العصر لا يقنع المشاهدين بأنه فن من الفنون الجميلة التي تربي النفس على الفضيلة.

أما اتخاذ التمثيل حرفة يعتمد عليها المسلم في كسب رزقه، والاكتفاء بها عن أي مهنة أو حرفة أخرى فذلك –فيما نرى- مما لا يحبذه الشرع، لأن هذه الحرفة – حتى وإن سمت- فليست من الحرف المنتجة الخلاقة، والله سبحانه يقول: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

يقول الشيخ عطية صقر –من علماء الأزهر الشريف– :
التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت، أو أحداث متخيّلة في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهو أسلوب للتثقيف والترفيه. وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات. فهناك القراءة والرحلات وغيرها.
وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصور حياتها بالقول والفعل، أي بالكلمة والحركة، فإن كان صادقا شكلاً وموضوعا ويستهدف غرضاً شريفاً أعطي حكم الخبر الصادق وهو الجواز، وإن كان غير صادق في شكله كيفاً أو كمَّا، أو في موضوعه قولاً أو فعلاً: أعطي حكم الخبر الكاذب وهو المنع، ولا يستباح هذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحًا، فهو ليس من الضرورات التي تباح من أجلها المحظورات.
وإن كانت الشخصيات اختراعية، كما هو الشأن في القصص الذي لا يعني شخصًا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما في كتاب “كليلة ودمنة” فإن كان الهدف صحيحًا، والمادة لا تحوي أمرًا محظورًا، والأداء نفسه يكون ملتزمًا بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلُّمه أو احترافه إلى تقصير في واجب أو إلى ضرر بدني أو عقلي أو مالي أو خلقي أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالاً، يستعان به على إبراز المعاني بصورة محسوسة كأنها حقيقية.
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أي واحد منها يجعله ممنوعًا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة.
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرّمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلاً، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير في واجب ديني أو وطني مثلاً، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعاً.
ولا يقال: إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس، وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل، بل هو تمثيل. لا يقال ذلك لأن الغاية لا تبرّر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما في الكتب المشحونة بالقصص وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها.
كما لا يقال: إن هذه الأمور هي من وسائل الإيضاح، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت في أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلاً رخيصًا أو هابطًا كما يشاهد في هذه الأيام.

يقول الدكتور محمود عكام من علماء سوريا:-
كل مهنة يجب أن تضبط بضابطين:

الأول: أن لا يكون فيها مخالفة شرعية.

والثاني: توجيه النية من إرضاء العلي الحميد جل شأنه.
والتمثيل على هذا: لا مانع منه إذا اجتنبت المحرمات من كشف عورة أو إساءة إلى أحد أو اعتداء على أحد.
ولتكن النية خالصة لوجه الله ومن أجل خدمة ديننا الحنيف.