جاء في كتاب المغني لابن قدامة: ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو يتخذها لبيع الخمر أو القمار، وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة: إن كان بيتك في السواد فلا بأس أن تؤجره لذلك. وخالفه صاحباه واختلف أصحابه في تأويل قوله.
ولنا –أي دليلنا على رأي الجماعة- أنه فعل محرم، فلم تجز الإجارة عليه، كإجارة عبده للفجور. ولو اكترى ذمي من مسلم داره فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثوري. وقال أصحاب الرأي: إن كان بيته في السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء.
ولنا –أي دليلنا على المنع- أنه فعل محرم جاز المنع منه في المصر، فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة.
هذا الكلام ظاهر فيمن أجَّر داره لمن يعلم أنه يتخذها لفعل محرم، أو كان العقد على ذلك فإن الرأي الصحيح أنه لا يجوز، لأن صاحب الدار مساعد على ارتكاب المعصية، فيكون شريكًا لمن ارتكبها، كما قالوا في شرح الحديث الذي فيه لعن شارب الخمر وحاملها وعاصرها، وكل من شارك فيها. والدليل (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وأبو حنيفة يجيز ذلك.
أما لو كانت إجارة البيت للسكنى، وارتكب الساكن فيه منكرات، فليس على صاحب البيت حرمة في ذلك، وله الحق في منعه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعند أبي حنيفة: أن الذمي لو استأجر من المسلم بيتًا، ولم يقل: ليصلي فيه، فإنه يجوز، وإن كان له أن يصلي فيه ويتخذه بيعه وكنيسة، وإذا استأجر الذمي من المسلم دارًا ليسكنها فلا بأس بذلك؛ فهي إجارة وقعت على فعل مباح، وإن شرب فيها الخمر وعبد فيها الصليب أو أدخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم في ذلك شيء، لأن المسلم لم يؤاجر لهذه الأشياء، إنما يؤاجر للسكنى. ولو اتخذ فيها بيعة أو كنيسة يُمكن من ذلك إن كان في السواد –خارج المصر-؛ لأن عامة سكانها أهل الذمة وغيرهم. ذكر ذلك الكاساني في بدائع الصنائع.