جاء في كتاب المُغْني لابن قدامة (ج 6 س 136) : ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتَّخِذها كنيسة أو بِيعة أو يَتخِذها لبيع الخمر أو القِمار، وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة: إن كان بيتك في السَّواد، فلا بأس أن تُؤجِّره لذلك. وخالفه صاحِباه، واختَلف أصحابه في تأويل قوله.

ولنا ـ أي: دليلنا على رأي الجماعة ـ أنه فِعل محرَّم، فلم تَجُز الإجارة عليه، كإجارة عبْدِه للفجور. ولو اكتَرى ذِمِّيٌ من مسلم داره، فأراد بيْع الخمر فيها، فلصاحِب الدار منْعه، وبذلك قال الثوري. وقال أصحاب الرأي: إن كان بيته في السواد والجبل، فله أن يَفعَل ما يشاء.

ولناـ أي: دليلنا على المنْع ـ أنه فِعل مُحَرَّم جاز المنْع منه في المِصْر، فجاز في السواد، كقتل النفس المحرَّمة. ا.هـ.

هذا الكلام ظاهر فيمن أجَّرَ داره لمن يَعلَم أنه يَتخِذها لفِعل محرَّم، أو كان العقد على ذلك فإن الرأي الصحيح أنه لا يجوز؛ لأن صاحب الدار مُساعِد على ارتكاب المعصية، فيكون شريكًا لمن ارتَكبها، كما قالوا في شرح الحديث الذي فيه لعْن شارب الخمر وحامِلها وعاصِرها، وكل من شارَك فيها. والدليل (ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (سورة المائدة : 2)، وأبو حنيفة يُجيز ذلك.

أما لو كانت إجَارة البيت للسُّكْنى، والساكِن ارتَكب فيه مُنكرات، فليس على صاحب البيت حُرمة في ذلك، وله الحق في منْعه من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وعند أبي حنيفة : أنَّ الذِّمِّيَّ لو استأجَر من المسلم بيتًا، ولم يَقُل: لِيصلِّيَ فيه فإنه يجوز، وإن كان له أن يُصلِّيَ فيه ويتخذه بِيعة وكنيسة، وإذا استأجر الذِّمِّي من المسلم دارًا ليَسكُنها فلا بأس بذلك، والإجارة وقَعتْ على فعل مباح، وإن شُرِب فيه الخمر، وعُبِد فيه الصليب، أو أُدخِل فيه الخنازير لم يَلحَق المسلم في ذلك شيء؛ لأن المسلم لم يؤاجِر لها، إنما يؤاجِر للسُّكْنى. ولو اتَّخذ فيها بيعة أو كنيسة يُمكَّن من ذلك إن كان في السواد ـ خارج المصر ـ؛ لأن عامة سُكّانها أهل الذمة والرَّوافض.

ذكر ذلك الكاساني في بدائع الصنائع “ج 4 ص 189” وذكره ابن القيم في زاد المعاد ” ج 4 ص 252، 253″.