الزوجة لها ذمتها المالية المستقلة، فعقد الزواج ليس له تأثير على الذمة المالية للزوجة، ومن ثم فذهب الزوجة سواء أكان مهرها المقدم إليها، أم كان هدية من الزوج أو غيره ملك للزوجة لا يجوز للزوج أخذه دون رضاها، وتفصيل ذلك كما يلي:
الذهب الذي قدمه الزوج لزوجته إما أن يكون هبة (هدية) ومتى ملكت الزوجة الهبة بمجرد العقد أو بالقبض على خلاف بين الفقهاء في ذلك، فلا يجوز للزوج الرجوع في هبته ومن ثم فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من ذهبها دون رضاها، فهو أكل للمال بغير حق والله سبحانه وتعالى نهانا عن ذلك فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء : 29 . ، وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده قال ﷺ (ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) .
أما إذا كان الذهب الذي يريد أن يأخذه من زوجته هو أعطاها إياه كجزء من المهر فمن باب أولى أنه لا يجوز له أن يأخذ شيئا منه دون رضاها، ولكن حسن العشرة يقتضي أن تكون الزوجة وفية سخية تقف إلى جوار زوجها لتقيله من عثرته وصدق الله العظيم (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).المزمل : 20
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى -:
الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها ، كما قال مالك وأحمد ، لكن أبا حنيفة والشافعي شرطا القبض حتى تكون لازمة ، والرجوع في الهبة حرام عند جمهور العلماء ، إلا إذا كانت من الوالد لولده ، فإنَّ له أن يرجع فيها ، لما رواه أصحاب السُّنن أنَّ النبي ـ ﷺ ـ قال ” لا يَحِلُّ لرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يُعطي ولده ” وحُكم الوالد حكم الوالدة ، ويستوي في الولد أن يكون كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى .
وقال أبو حنيفة:ليس له الرجوع فيما وَهَبَ لابنه وَلكلِّ ذِي رَحِمٍ من الأرْحَامِ ، وهو رأي غيرُ قوي لمعارضته للحديث . وجاء في النهي عن الرجوع في الهبة حديث الترمذي وغيره وهو حسن صحيح ” مَثَلُ الذي يُعطي العَطية ثُمَّ يَرْجِعُ فيها كَمَثَلِ الْكَلْب يأكل ، فإذا شبع قَاءَ ثم عادَ في قَيْئِه ” وفي إحدى الروايات ” ليس لنا مَثَلُ سَوء ، الذي يعود في هِبته كالكلب يرجع في قَيْئِه “.
ويقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إن المهر حق خالص للمرأة فلا يجوز أخذ شيء منه إلا برضاها ولا بد أن يكون الرضا واضحاً وصريحاً وبدون إكراه أو حياء ونحو ذلك فلا يحل أخذ شيء من مهر الزوجة سواء أكان ذلك نقداً أو ذهباً إلا إذا رضيت رضاً تاماً والرسول ﷺ يقول :( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ) رواه أحمد والبيهقي والدار قطني وغيرهم وهو حديث صحيح .
وبما أن المهر حق خالص للزوجة فلها أن تتصرف به كيفما شاءت فيجوز لها أن تبريء زوجها من مهرها كاملاً أو من بعضه ولها أن تهب له مهرها أو شيئاً منه وكل ذلك لا بد أن يكون برضاها واختيارها .
والزوجة الصالحة هي التي تشعر بشعور زوجها وتقف معه في الشدائد والملمات فإذا أعطته من مهرها على سبيل الهبة أو جعلت ذلك قرضاً فلها الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى ولها التقدير والاحترام من زوجها .