الراجح من قولي العلماء أن الاستخلاف مشروع إذا طرأ على الإمام عذر أثناء صلاته –كخروج ريح أثناء الصلاة أو تذكر أنه كان جنبا ولم يغتسل- ويشترط أن يستخلف الإمام من يصلح للإمامة ، فلو استخلف صبياً أو امرأة أو من لا يحسن شيئاً من القرآن فلا يصح، والأولى ألا يستخلف الإمام مسبوقا ، وإن استخلفه فلا حرج والمأمومون مخيرون بين أن يفارقوا الإمام الثاني فيسلموا لوحدهم أو ينتظرونه ليسلموا معه وهذا أولى.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
ما يفعله الإمام يسمى عند الفقهاء استخلافاً، وهو أن يخلف الإمامَ شخصٌ آخر لإكمال الصلاة إذا حصل للإمام طارئ أثناء الصلاة.
والاستخلاف مشروع على الراجح من قولي العلماء في المسألة، وبه قال عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما وعلقمة وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وأحمد في رواية عنه، قال الإمام النووي [ ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلاف عن أحد ] المجموع 4/ 245.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين:[ إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة ] الشرح الممتع 4/243.
وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر أن من منع الاستخلاف في الصلاة احتج بما جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيديه أن امكثوا فذهب ثم رجع على جلده أثر الماء والحديث في الصحيحين.
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر:[ لا تتبين لي حجة من كره الاستخلاف استدلالاً بحديث هذا الباب؛ لأن رسول الله ﷺ ليس في الاستخلاف كغيره إذ لا عوض منه مع سعة الوقت ولا يجوز لأحد أن يتقدم بين يديه إلا بإذنه وقد قال لهم: مكانكم، فلزمهم أن ينتظروه ، وهذا إذا صح أنه تركهم في صلاة ، وقد قيل إنه لم يكن كبر … وقد أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم والصلاة أعظم الدين، وفي حديث سهل بن سعد دليل على جواز الاستخلاف لتأخر أبي بكر وتقدم النبي ﷺ في تلك الصلاة وحسبك بما مضى عليه عمل الناس ] الاستذكار 3/109.
ويدل على مشروعية الاستخلاف في الصلاة ماروه الإمام البخاري في صحيحه في قصة طعن عمر رضي الله عنه وفيها (وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه … فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة) رواه البخاري، وقد كان ذلك بمحضر من الصحابة فأقروه على ذلك، قال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر قصة عمر رضي الله عنه [وفيه جواز الاستخلاف للإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك لتقرير الصحابة لعمر رضي الله عنه على ذلك وعدم الإنكار من أحد منهم فكان إجماعاً وكذلك فعل علي رضي الله عنه وتقريرهم له على ذلك وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك ] نيل الأوطار 3/200.
وروى سعيد بن منصور في سننه (أن علياً رضي الله عنه رُعف وهو في الصلاة فأخذ بيد رجل فقدَّمه ليتم بالناس ثم انصرف).
وروى الأثرم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنها قال: خرج علينا عمر رضي الله عنه لصلاة الظهر، فلما دخل في الصلاة أخذ بيد رجل كان عن يمينه ثم رجع يخرق الصفوف، فلما صلينا إذا نحن بعمر يصلي خلف سارية، فلما قضى الصلاة قال: لما دخلت في الصلاة وكبرت رابني شيء فلمست بيدي فوجدت بلة).
قال الإمام البيهقي: [وروينا عن عمر رضي الله عنه في قصة أخرى أنه وجد بللاً حين جلس في الركعتين الأوليين، فلما قام أخذ بيد رجل من القوم فقدمه مكانه، وروي في جواز الاستخلاف عن علي رضي الله عنه، فقوله الجديد –أي قول الشافعي في المذهب الجديد – في جواز الاستخلاف أصح القولين] سنن البيهقي.
وقال الإمام أحمد بن حنبل:إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي وإن صلوا وحداناً فقد طعن معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طعن أتموا صلاتهم. نيل الأوطار 3/199.
والقائلون بجواز الاستخلاف اتفقوا على جوازه في حالات منها:
-أن الإمام إذا سبقه الحدث في الصلاة من بول ، أو ريح أو غيرهما ، انصرف واستخلف.
-وكذا إذا طرأ على الإمام ما يمنع الإمامة لعجز عن ركن، كعجزه عن الركوع أو القراءة في بقية الصلاة أو عجز عن إتمام الفاتحة وكذلك إذا تذكر الإمام نجاسة ، أو جنابة لم يغتسل منها.
-أو تنجس في أثناء الصلاة، بشرط أن يستخلف الإمام من يصلح للإمامة، فلو استخلف صبياً أو امرأة أو أمياً وهو من لا يحسن شيئاً من القرآن فلا يصح. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 3/253-255.
وقد نص الفقهاء على أن كل من يصلح إماماً ابتداءً يصح استخلافه، ومن لا يصلح إماماً ابتداء لا يصح استخلافه، ونصوا على أن الأولى أن لا يستخلف الإمام مسبوقاً.
فقد ذكر ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق أن الأولى للإمام أن يقدم مدركاً، ولكن إن قدم مسبوقاً صح استخلافه.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ قال أصحابنا: يجوز أن يستخلف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين وحكي هذا القول عن عمر وعلي وأكثر من وافقهما في الاستخلاف ] المغني 2/76.
والمطلوب من المستخلف المسبوق أن يتم الصلاة من المحل الذي خرج منه الإمام.
قال الإمام النووي:[ قال أصحابنا وإذا استخلف مأموماً مسبوقاً لزمه مراعاة ترتيب الإمام فيقعد موضع قعوده، ويقوم موضع قيامه، كما كان يفعل لو لم يخرج الإمام من الصلاة، فلو اقتدى المسبوق في ثانية الصبح ثم أحدث الإمام فيها فاستخلفه فيها قنت وقعد عقبها وتشهد ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان الإمام قد سها قبل إقتدائه أو بعده سجد في آخر صلاة الإمام وأعاد في آخر صلاة نفسه على أصح القولين كما سبق، وإذا تمت صلاة الإمام قام لتدارك ما عليه، والمأمومون بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف للضرورة وان شاءوا صبروا جلوساً ليسلموا معه ] المجموع 4/243.
وخلاصة الأمر: أن الأولى للإمام أن يستخلف مدركاً للصلاة من أولها، فإن استخلف مسبوقاً فيجوز ذلك، ويلزم المستخلف أن يتم الصلاة من حيث توقف إمامه، فإذا كان مسبوقاً بركعتين مثلاً أتم صلاة الجماعة أولاً ثم يأتي بما فاته، وفي هذه الحالة فالمأمومون مخيرون بين أن يفارقوا الإمام الثاني فيسلموا لوحدهم أو ينتظرونه ليسلموا معه وهذا أولى.