يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق- رحمه الله-:
إذ كان من مَحظور الصوم الأكلُ والشرب ـ وحقيقتُهما دخول شيء من الحلْق إلى المعدة، والمعدة هي محل الطعام والشراب من الإنسان، وقالوا إنها كالحُويصلة للطائر والكرْش للحيوان ـ كان المُبطل للصوم ما دخل فيها بخُصوصها، سواء أكان مُغَذِّيًا أمْ غير مُغَذٍّ، ولابد أن يكون عن المَنْفذ المُعتاد؛ ومن أجل هذا فما دخل في الجوف ولكن لم يصلْ إليها لا يفسد الصوم.
فالحُقنة الشرجية يدخل بها الماء في الجوْف، ولكن لا يصل إليها، فلا تُفطر، والحقن الجلدية أو العرقية يسري أثرها في العُروق ولا تدخل محل الطعام والشراب، فلا تُفطر. نعم؛ قد يُحدث بعضها نشاطًا في الجسم وقوةً عامة، ولكن لا تَدفع جُوعًا ولا عطشًا؛ ومن هنا لا تأخذ حُكم الأكل أو الشرب، وإنْ أدَّتْ شيئًا من مُهمَّتِه، وإذا كان هذا هو الأصل في الإفطار، وكانت الحقن بجميع أنواعها لا تُفطر الصائم، فإن أقماع البواسير أو مَراهمها أو الاكْتحال، أو التقطير في العين أو مَسَّها كل ذلك لا تأثير لشيءٍ منه على الصوم؛ فهو ليس بأكل في صورته ولا في معناه، وهو بعد لا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب.
وفي اعتقادي أن المُحافظة على روح الصوم باستحضار المراقبة وأن المسلم هو صائم في ضيافة مولاه، وأن هذه الضيافة تقضي عليه التوجُّه إليه في ظاهره، وباطنه فلا يرتكب ما يُغضبه، ولا يُدَنِّسُ نفسه بما يُنافي تَقْوَاهُ، والمُحافظة على هذا الوضْع تسمو بالنفس عن الاشتغال بأن مثل هذه الشئون تُفسد الصوم أو لا تفسده، وتجعل الصائم في حِصْنٍ عن كل ما يَرِيبُهُ في صحة صومه؛ وليس الصوم ـ الذي يريده الله ويُعلق به التقوى ـ مما يَخفَى شأنه إلى هذا الحد الذي تراه بين الصائمين، وبينهم وبين المُفْتِينَ.