يقول الأستاذ الدكتور أبواليزيد العجمي -أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة:ـ

الغيرة لغة: من قولك غار الرجل على أهله. قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأته ، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرًا ، وغارًا وغيارًا ؛ وهى الحمية والأنفة؛ والعرب تقول: أغير من الحمى، أي أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها.

واصطلاحا: الغيرة ثوران الغضب حمية على أكرم الحرم ، وأكثر ما تراعى النساء.
وفي أدبيات الفضائل العربية والإسلامية تذكر الغيرة على أنها خلق فطري كثر في العرب ، وربط بينه وبين الجوار، واتسع نطاقه ليشمل كل حرمة يأنف المسلم أن تمس. وجعل الله سبحانه هذه القوة في الإنسان سببا لصيانة الماء وحفظا للإنسان ، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت العفة في نسائها.

وقد يستعمل ذلك في صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته في السياسات الثلاث التي هي سياسة الرجل نفسه ، سياسة منزله وأهله ، وسياسته مدينته وضيعته ، ولذلك قيل: ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته ولكن ذبه عن كل مختص به.
فقد كثرت في العرب خاصة : إن من دخل دار أحدهم والتجأ إلى فنائه ولو كان عدوا فله حرمة وجوار وذمار.
ولم يرد في القرآن لفظ الغيرة وإنما جاء في القرآن لفظ “الحمية” وفي سياق يدل على أنه غيرة يبغضها الله سبحانه ، لأنها غضب من أجل باطل ، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها “حمية الجاهلية” {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهليه}الفتح:26.
ذلك أن قريشا في صلح الحديبية رفضت أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب محمد رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: لا ندري بسم الله الرحمن الرحيم اكتب: بسمك اللهم وحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب: (محمد رسول الله ، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك وقال اكتب اسمك واسم أبيك ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: من محمد بن عبد الله).

أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها لفظ “الغيرة” بصيغ مختلفة، وفي سياقات متعددة، نشير إليها فيما يلي:
1- غيرة فطرية:
غيرة الرجال على النساء، إذ يقول سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني).
ومثله الحديث عن علي رضي الله عنه: (ألا تستحيون أو تغارون فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج).

– غيرة النساء على الرجال ،وقد غارت عائشة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم حين سألها النبي: (أغرت يا عائشة؟ قالت: ومالي ألا يغار مثلي على مثلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفأخذك شيطانك؟) الحديث… .

-غيرة المرأة على المرأة ضرتها، وقد غارت عائشة رضى الله عنها من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة بعد وفاتها.

وهذه كلها غيرة فطرية ومحمودة شريطة ألا تخرج عن حد الاعتدال كي لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين.

2- غيرة دينية وأخلاقية:ـ وهذه تكتسب بالتربية ؛ وقد ربطت السنة بين غيرة المؤمن وغيرة الله تعالى (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه).
والتربية تعني بها أن المؤمن يغار إذا انتهكت حرمات الله ، وهذا لا يكون إلا إذا ربي على هذا، وعلم مقاصد الشريعة (الحفاظ على العقل ، النسل ، المال ، الدين ، العرض)وقد ذكرت السنة أن جزاء غيرة المؤمن في الآخرة عظيم حيث جاءت بأنه قصر في الجنة.

3- الغيرة منها ما يحمد ومنها ما يذم ولأن الغيرة حمية وغضب ، فكان من اللائق بالمسلم أن يعلم الدوافع و الغايات فإذا كانته الدوافع رعاية حق الله ، والأهداف إزالة الريب ،وتحقيق مقاصد الشرع كانت هي الغيرة التي يحبها الله ، وإذا كانت غير ذلك كانت الغيرة التي يبغضها الله سبحانه “إن من الغيرة ما يحبه الله ، ومنها ما يبغض الله… فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير ريبة”.

بقى أن نشير إلى حقيقتين مهمتين:
الأولى:
أن التاريخ يحفظ للعرب والمسلمين مواقف كانت الغيرة فيها دفاعا عن الحق ، أو حرصا على الكرامة، فغيرة عمرو بن كلثوم حين صاحت أمه واعمراه كانت في موضعها ،وغيرة الصحابة الكرام من أجل دين الله، وغيرة المعتصم حين استنجدت به المرأة المسلمة قائلة: وا معتصماه ، وغيرة صلاح الدين من أجل تحرير القدس ، هذه كلها نماذج لها ولنظائرها في التاريخ موقع معلم.

الثانية: أن التربية على القيم الدينية الحقة أساس صحيح لتكوين الغيرة المحمودة التي تصون المقدس من دين أو عرض أو مال أو وطن ، والتي تقف عند حدود الشرع تضبط به البواعث وتحدد به الأهداف ، وترشد السلوك كي لا تكون الغيرة نعرة أو حمية جاهلية.