ينظر الإسلام للعمل بصفة عامة نظرة مشرفة، فحث عليه، وجعل أن خير كسب الفرد ما كان من عمل يده، ونظرا لأن كثيرا من الناس تنوء بهم أعمالهم عن طاقاتهم، كان لهم أن يستعينوا بمن يرغب من العمال في الخدمة في بيوتهم، ولا مانع من هذا شرعا، ولكن هناك مجموعة من الأحكام والضوابط الشرعية التي يجب أن تتوفر في هذه العلاقة:

أولا: الخادم ليس عبدا ولكن أجيرا:

فالخادم ليس عبدا من العبيد بل هو أجير لا تربطه علاقة بصاحب العمل غير ما تم الاتفاق عليه، ويحصل في ذلك على الأجرة المتفق عليها، وليس لرب العمل تكليفه بما لا يطيق، ولا على العبد أن يتحمل عبئا لا يحسنه، وبالتالي فاستغلاله فيما لم يتم الاتفاق عليه لا يجوز إلا بشرطين أولهما مراضاته بأجر مناسب، وأن يكون العمل مشروعا.

ثانيا: الإحسان للأجير:

من الأمور التي راعاها الإسلام أن نحسن للأجير، بل أكثر من ذلك نحسن للعبيد الذين كانوا يمتلكون حتى قضى الإسلام على الرق، انظر في هذا لحديث البخاري –رحمه الله- الذي يروي أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، رؤي وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه). ثم قال: (إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم).صحيح البخاري كتاب العتق.

جاء في فتح القدير للعلامة المناوي :” (إخوانكم) جمع أخ وهو الناشئ مع أخيه من منشأ واحد على السواء بل بوجه مّا، قال الحراني (خولكم) بفتح المعجمة والواو وضم اللام أي خدمكم جمع خائل أي خادم سمي به لأنه يتخول الأمور أي يصلحها .. أي ليسوا إلا إخوانكم أي من جهة تفرع الكل عن أصل واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام .أ.هـ

فهذا للعبيد المملوكين، فما بالنا بالأجير الذي لا تربطنا به سوى علاقة مالية في إطار إجارة متفق عليها.

ثالثا: تعذيب الخدم:

ليس من المشروع أن تمتهن كرامة الإنسان أيا كان فعله، والعقاب لا يكون بدنيا، فالعلاقة الآن علاقة عمل لو أخطأ يتحمل نتيجة خطئه ماليا أم العقاب البدني فليس لفرد على فرد، والإحسان هو الأساس المطلوب بين الناس ولنا في معاملة النبي-صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة فقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وقال عن نفسه خدمت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زمانا، ما سألني في يوم من الأيام عن أمر فعلته لِم فعلت هذا، أو عن أمر لم أفعله لِم لم تفعل هذا، وفي معاملته –صلى الله عليه وسلم مع الخدم الدليل على حرمة إيذاء الخدم وضربهم وإلحاق الضرر فيهم؛ وذلك كله نهى عنه الشارع.

رابعا: الخلوة بالخادمة:

الخدم ليسوا عبيدا ولا ملكا لليمين، وبالتالي فهم أجانب على من يخدمونهم، فلا تجوز الخلوة بهم، وكم من مآس وقعت بسبب ذلك، ولذا فلا يجوز الخلوة بالخادمة، أو المخدومة إن كان الخادم ذكرا والمخدومة أنثى، لقوله صلى الله عليه وسلم:” لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم). فقام رجل فقال: يا رسول الله، امرأتي خرجت حاجة، واكتتبت في غزوة كذا كذا، قال: (ارجع، فحج مع امرأتك). والحديث صحيح رواه البخاري، بل من شدة الأمر جعل البخاري عنوان الباب : لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة.

فلا يجوز بحال استحلال ما لا يحل، وكل الضوابط والمحاذير في العلاقة بين الجنسين يجب أن تراعى هنا، من النظر واللمس والكلام والخلوة وغير ذلك، أما استحلال ما لا يحل بمجرد عقد الاستخدام فلا يجوز شرعا.

خامسا : الخدم وأسرار البيوت:

لا شك أن الخدم هم أكثر الناس اطلاعا على أسرار البيوت محاسنها وعوراتها، فقد كان من شروط استئجار موسى ليعمل عند شعيب عليهما السلام أنه قوي أمين يقول الله تعالى:” يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الأمِين” سورة القصص : 26، فكانت الأمانة هنا أساسا لقبول موسى في العمل عند نبي الله شعيب عليهما السلام.

ومن الأمانة حفظ السر روى مسلم عن ثابت عن أنس قال: أتى عليَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا ألعب مع الغلمان فسلَّم علينا، فبعثني في حاجته، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرنَّ بسر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك به يا ثابت، وروى البخاري بعضه.

وهنا ملمح قوي يتمثل في تشجيع ولي الخدم على أن يكون أمينا حافظا للسر ولا يلح عليه كي يعرف السر منه.

وخيانة الأمانة وعدم حفظ السر يكون من أسباب الاستغناء عن الخادم، لأنه يكشف سترا قد استأمنه الناس عليه وأخرج أمرا عنهم قد لا يودون إخراجه.

سادسا: خصوصية الجزيرة العربية:

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة العربية، وأمر ألا يبقى فيها إلا مسلم وأوصى عند وفاته عليه الصلاة والسلام بإخراج جميع المشركين من هذه الجزيرة فلا يجتمع فيها دينان. ذلك لما كان يحدثه هؤلاء من فتن بالمسلمين ومكائد تفتنهم في عباداتهم وعقائدهم، وأمره صلى الله عليه وسلم من النظام العام والسياسة الشرعية التي تحفظ على المسلمين أمنهم وعباداتهم وأخلاقهم.

والأولى من ذلك كله أن يعمل الإنسان بيده ويخدم نفسه، مع أنه ليس حراما أن يستأجر خادما ولكن وفق الضوابط السابق بيانها .