النظر إلى الغلام الأمرد ( الجميل ) إن كان بشهوة فهو حرام ، وإن كان بغير شهوة ولا يخشى الناظر من النظر فتنة بتحرك الشهوة فلا يحرم ، وإن كان بغير شهوة ولكن يخشى الناظر تحرك شهوته فيكره له النظر إذا غلب على ظنه تحركها ، وإلا فلا يكره.

يقول الإمام ابن تيمية في كتابه : مجموع الفتاوى :
النظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو شهوة التلذذ بالنظر فلو نظر إلى أمه وأخته وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة .

والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان غض البصر عن العورة وغضها عن محل الشهوة .
-النوع الأول:
كغض الرجل بصره عن عورة غيره كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال النبي لمعاوية بن حيدة : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) قال: فإذا كان أحدنا مع قومه ؟ قال : (إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها ) قال : فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال : (فالله أحق أن يستحيى منه من الناس ).
ويجوز أن يكشف بقدر الحاجة كما يكشف عند التخلي وكذلك إذا اغتسل الرجل وحده بجانب ما يستره فله أن يغتسل عريانا ، كما اغتسل موسى عريانا وأيوب ، وكما في اغتساله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح .

-النوع الثاني: من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير ، وعلى صاحبها الحد وتلك المحرمات إذا تناولها غير مستحل لها كان عليه التعزير ، لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر ، وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن .

وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب ، وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم لشهوة .
وأما من يدعي أنه ينظر ليسبح فالخالق سبحانه يسبح عند رؤية مخلوقاته كلها ، وليس خلق الأمرد بأعجب في قدرته من خلق ذي اللحية ، ولا خلق النساء بأعجب في قدرته من خلق الرجال.

بل تخصيص الإنسان التسبيح بحال نظره إلى الأمرد دون غيره مع الشهوة ؛ كتخصيصه التسبيح بنظره إلى المرأة دون الرجل ، وما ذاك لأنه دل على عظمة الخالق عنده ولكن لأن الجمال يغير قلبه وعقله وقد يذهله ما رآه فيكون تسبيحه بما يحصل في نفسه من الهوى كما أن النسوة لما رأين يوسف أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم .

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وإذا كان الله لا ينظر إلى الصور والأموال وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال فكيف يفضل الشخص بما لم يفضله الله به وقد قال تعالى : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وقال في المنافقين : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) فإذا كان هؤلاء المنافقون الذين تعجب الناظر أجسامهم لما فيهم من البهاء والرواء والزينة الظاهرة وليسوا ممن ينظر إليه لشهوة قد ذكر الله عنهم ما ذكر فكيف بمن ينظر إليه لشهوة ؟! وذلك أن الإنسان قد ينظر إليه لما فيه من الإيمان والتقوى وهنا الاعتبار بقلبه وعمله لا بصورته ، وقد ينظر إليه لما فيه من الصورة الدالة على المصور فهذا حسن ، وقد ينظر إليه من جهة استحسان خلقه كما ينظر إلى الجبل والبهائم وكما ينظر إلى الأشجار ، فهذا أيضا إذا كان على وجه استحسان الدنيا والرياسة والمال فهو مذموم لقوله تعالى : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ).

وأما إن كان على وجه لا ينقص الدين وإنما فيه راحة النفس فقط كالنظر إلى الأزهار فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق .

وكل قسم من هذه الأقسام متى كان معه شهوة كان حراما بلا ريب ، سواء كانت شهوة تمتع بنظر الشهوة أو كان نظرا بشهوة الوطء ، وفرق بين ما يجده الإنسان عند نظره الأشجار والأزهار وما يجده عند نظره النسوان والمردان فلهذا الفرقان افترق الحكم الشرعي .
فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام :
-أحدها:
ما يقرن به الشهوة فهو حرام بالاتفاق .

-والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه فهذا لا يقرن به شهوة فلا يحرم .وكذلك من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة ولا يخطر بقلب أحدهم شيء من الشهوة لأنه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من مثل ذلك .

وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر وهو النظر إليه لغير شهوة لكن مع خوف ثورانها فيه وجهان في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي أنه لا يجوز والثاني يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره .

والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ولهذا كان النظر الذي يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لمصلحة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة لكن مع عدم الشهوة .
وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز.
( من كتاب : مجموع الفتاوى ، للإمام ابن تيمية بتصرف يسير ) .