هذا الحمل هو السفاح بعينه، وهل الزنا إلا ذلك؟ وحتى لو كانت البنت قد وافقت على كتب الكتاب، أي كتاب هذا الذي تملك البنت أن تكتبه، وأين شروط النكاح؟ أين الولي والشهود والإشهار والصداق والتوثيق والصيغة؟
الزنا جريمة منكرة، تستوجب سخط الله ولعنته ومقته وعذابه في الدنيا والآخرة، ولا يخرجهما من هذا الذنب العظيم إلا التوبة والإستغفار والندم وألا يعودا لهذا الفعل مرة أخرى، والتوبة ليست كلاما باللسان، ولكنه ندم واستغفار وإصلاح فيما بقي، وابتهال إلى الله وتضرع إليه أن يغفر ويستر ويمحو، وكثرة صدقات ونوافل وتضرعات، وكثير من الناس يعتقد أن زواج الزانيين توبة في نفسه، وهذا خطأ طبعا، بل التوبة لا تحصل بمجرد الزواج، أما زواجهما فجائز إذا تابا وأنابا، وأما زواجهما قبل التوبة فمحل خلاف بين العلماء.
وأصل في الإجهاض أنه حرام، وتزداد الحرمة وتعظم كلما طال عمر الحمل والجنين، فالإجهاض في الأربعين يوما الأولى أخف منه في الأربعين الثانية، وهكذا، وتتأكد الحرمة بعد بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما، فساعتها لا يجوز الإجهاض إلا لخوف الخطر المحقق على حياة الأم، وأجاز بعض الفقهاء الإجهاض إذا كان قبل الأربعين يوما الأولى من الحمل، ولو بغير سبب، إذا كان برضا الزوجين ولهم استدلالاتهم المعتبرة، لكن الجمهور من العلماء لا يوافق عل هذا الرأي ،ولو كان الإجهاض بعد ساعة واحدة من الحمل.
فإذا كان الإجهاض قد تم بعد اثنين وأربعين يوما فعلى من قام بالإجهاض ما يعرف بالغرة في الفقه الإسلامي، وهي تقدر في زماننا هذا ب 212.5 جراما من الذهب، وتوزع على الورثة، ولا يأخذ منها من اشترك في الإجهاض، كما يجب صيام شهرين متتابعين، وإذا كان قبل هذه المدة فلا يجب سوى استغفار الله تعالى، والتوبة إليه. وهذه الغرة تعطى لورثة الطفل.
وأما اعتراف الزاني بولده فهو لا يجعل الولد شرعيا، فالولد سيظل ابن زنا، ولكن هل يجوز أن يضممه الزاني إلى نسبه، هذه مسألة خلافية، جمهور الفقهاء منع ذلك، وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فأجاز ذلك، أما نسب الولد إلى أمه فهو ولدها على كل حال.
يقول الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد :
أجمع الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد الشهر الرابع الرحمي؛ فمن أجهضت نفسها من غير سبب كعذر مقبول كالخوف على حياة الأم؛ فإنه يعد حرامًا باتفاق، ويستوجب نصف عشر الدية لورثة ذلك الجنين، فيما لو نزل حيًا ويحرم منه المتسبب في الإجهاض، كما أن عليها صيام شهرين متتابعين كفارة عما ارتكبت من حرام، أما إذا كان الجنين قبل الشهور الأربعة فطبقاً لما ورد في الحديث النبوي فإنه لم تنفخ فيه الروح بعد، وإنما حركته وحياته التي نراها بالأشعة التلفزيونية ونحوها وتشعر بها المرأة فإنها حياة نباتية لم تنفخ فيها النفس الإنسانية بعد.
وجمهور الفقهاء على حرمة الإجهاض في هذه الحالة أيضاً؛ وعليها ذلك المقدار من الدية أيضاً، وبعضهم كالحنفية والحنابلة يقولون إن الإجهاض في الأربعين اليوم الأولى الرحمية ليس حرامًا ولا دية فيه، وبعض الشافعية يرى أن عدم الحرمة يمتد إلى الشهور الأربعة كلها؛ ولكن الفتوى التي استقر عليها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يرى الحرمة مطلقاً ووجوب نصف عشر الدية على المتسبب في الإجهاض؛ كل ذلك إذا كان من غير سبب يعد عذرًا كما سبق . انتهى.
ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
حياة الجنين في نظر الشريعة الإسلامية حياة محترمة، باعتباره كائنا حيًا يجب المحافظة عليه، حتى إن الشريعة تجيز للحامل أن تفطر في رمضان، وقد توجب ذلك عليها، إذا خافت على حملها من الصيام.. ومن هنا حرمت الشريعة الاعتداء عليه، ولو كان الاعتداء من أبويه، بل ولو جاء ذلك من أمه التي حملته وهنا على وهن.
حتى في حالة الحمل الحرام ما جاء عن طريق الزنى لا يجوز لها أن تسقطه، لأنه كائن إنساني حي لا ذنب له،(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ). [الإسراء: 15].
وقد رأينا الشرع يوجب تأخير القصاص من المرأة الحامل المحكوم عليها بالقصاص، ومثلها المحكوم عليها بالرجم حفاظًا على جنينها، كما في قصة الغامدية المروية في الصحيح، لأن الشرع جعل لولى الأمر سبيلا عليها ولم يجعل له سبيلا على ما في بطنها.
كما رأينا الشريعة توجب دية كاملة على من ضرب بطن امرأة حامل، فألقت جنينا حيًا، ثم مات من الضربة، نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على ذلك. (انظر : المغنى مع الشرح الكبير 9/550).
وإن نزل ميتًا ففيه غرة، وتقدر بنصف عشر الدية.
كما رأيناها تفرض على الضارب مع الدية أو الغرة كفارة، وهى: تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بل تفرضها هنا سواء كان الجنين حيًا أو ميتًا.
قال ابن قدامة : هذا قول أكثر أهل العلم، ويروى ذلك عن عمر رضى الله عنه.
واستدلوا بقوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا). [النساء: 92].
قالوا: وإذا شربت الحامل دواء، فألقت به جنينًا، فعليها غرة، لا ترث منها شيئًا، وعليها عتق رقبة. وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها، فلزمها ضمانه بالغرة، ولا ترث منها شيئًا، لأن القاتل لا يرث المقتول، وتكون الغرة لسائر ورثته. وأما عتق الرقبة فهو كفارة لجنايتها.
وكذلك لو كان المسقط للجنين أباه، فعليه غرة لا يرث منها شيئًا، ويعتق رقبة (المغنى مع الشرح الكبير 6/556، 557)، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين توبة من الله.
وأكثر من ذلك ما قاله ابن حزم في “المحلى” في قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه أي بعد مائة وعشرين ليلة، كما صح بذلك الحديث، فهو يعتبره جناية قتل عمد كاملة موجبة لكل آثارها من القصاص وغيره قال :
فإن قال قائل : فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته، أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله، فمن قولنا : أن القود يعنى القصاص واجب في ذلك ولابد، ولا غرة في ذلك حينئذ، إلا أن يعفى عنه، فتجب الغرة فقط، لأنها دية، ولا كفارة في ذلك، لأنه عمد، وإنما وجب القود، لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدًا، فهو نفس بنفس، وأهله بين خيرتين: إما القود، وإما الدية، أو المفاداة، كما حكم رسول الله -ﷺ- فيمن قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق.
وقال ابن حزم فيمن شربت دواء فأسقطت حملها :
“إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها، وإن كان قد نفخ فيه الروح فإن كانت لم تعمد قتله فالغرة أيضًا على عاقلتها، والكفارة عليها، وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة في مالها”. (المحلى جـ 11).
وابن حزم يعتبر الجنين إذا نفخت فيه الروح شخصًا من الناس، حتى إنه يوجب إخراج زكاة الفطر عنه، أما الحنابلة فيرون ذلك مستحبًا لا واجبًا.
وهذا كله يرينا إلى أي حد تهتم الشريعة بالجنين، وتأكيد حرمته، وخصوصًا بعد المرحلة التي جاء الحديث بتسميتها مرحلة “النفخ في الروح”، وهذا من أمور الغيب، التي نسلم بها إذ صح بها النص، ولا نطيل البحث في كنهها(وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). (الإسراء: 85).