ورد في بعض كتب الفقه أدعية يقولها الإنسان قبل الوضوء، وهي أحاديث شديدة الضعف، كما قال بذلك كبار المحدثين كالإمام النووي وغيره، والحديث شديد الضعف لا يؤخذ به في فضائل الأعمال، ولا يعمل به .
ولكن ورد التسمية قبل الوضوء، وهي سنة على الراجح، فمن تركها عمدا، صح الوضوء منه.
والثابت الصحيح عن النبي ﷺ الدعاء بعد الوضوء، فهو صحيح، كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه وغيره.
يقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه والأصول بجامعة القدس بفلسطين :
الأدعية أثناء الوضوء مشهورة وذكرها بعض الفقهاء في كتبهم فمن ذلك ما ذكره الرافعي من الشافعية حيث قال : أن يحافظ على الدعوات الواردة في الوضوء فيقول في غسل الوجه : اللهم بَيِّض وجهي يوم تبيَض وجوهٌ وتسود وجوهٌ ، وعند غسل اليد اليمنى : للهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً ، وعند غسل اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار . وروي:اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى ، وعند مسح الأذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وعند غسل الرجلين اللهم ثبت قدمي علـى الـصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ورد بهـا الأثـر عن السـلف الصالحين ] الشرح الكبير 1/449-450 .
وذكر أبو حامد الغزالي الأدعية أثناء الوضوء بأكثر من ذلك فقال :( بعد ذكر البسملة في أوله ويقول عند ذلك: أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ثم يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما الإناء ويقول: اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة .
وذكر أنه عند المضمضة يقول : اللهم أعنِّي على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ثم يأخذ غرفةً لأنفه ويستنشق ثلاثاً ويصعد الماء بالنفس إلى خياشيمه ويستنثر ما فيها ويقول في الاستنشاق:اللهم أوجد لي رائحة الجنة وأنت عني راضٍ ، وفي الاستنثار: اللهم إني أعوذ بك من روائح النار ومن سوء الدار .
وعند غسل وجهه يقول : اللهم بيِّض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تُسَوِّد وجهي بظلماتك يوم تَسْودُ وجوه أعدائك .
وعند غسل اليد اليمنى : اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً .
وعند غسل اليد اليسرى : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري .
وعند مسح أذنيه : اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،اللهم أسمعني مناديا الجنة مع الأبرار . وعند مسح رقبته يقول : اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال .
وعند غسل الرجل اليمنى يقول : اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار .
وعند غسل الرجل اليسرى يقول : أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين . فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال:أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك،فاغفر لي وتب عليَّ ، إنك أنت التواب الرحيم،اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين،واجعلني من عبادك الصالحين،واجعلني عبداً صبوراً شكوراً،واجعلني أذكرك كثيراً وأسبحك بكرة وأصيلاً ] إحياء علوم الدين 1/132-133 .
وهذه الأدعية التي تقال أثناء الوضوء غير ثابتة عن النبي ﷺ قال الإمام النووي :
[ وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجئ فيه شيء عن النبي ﷺ ] الأذكار ص24.
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على الأدعية التي ذكرها الرافعي والمذكورة أعلاه :[ قال النووي في الروضة هذا الـدعـاء لا أصل له ولم يذكره الشـافعي والجمهور . وقال ابن الصلاح : لم يصح فيه حديث .
قلت – أي الحافظ ابن حجر – : روي فيه عن علي من طرقٍ ضعيفةٍ جداً ] التلخيص الحبير 1/100 .
وقال العلامة ابن القيم :( ولم يحفظ عنه ﷺ أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه ، فكذب مختلق لم يقل رسول الله ﷺ شيئاً منه ولا علَّمه لأمته ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله
” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ” في آخره…] زاد المعاد1/195-196.
وقال النووي أيضاً :( وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له ] المنهاج مع شرحه 1/194 .
وقد خالف بعض المتأخرين من العلماء ما قاله النووي وغيره في نفي ثبوت الأحاديث الواردة أثناء الوضوء وقالوا:إنه قد ورد ذلك ولكن بطرق ضعيفة والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وهذا منها .
ولكن يجاب على قولهم هذا ، بأن تلك الأحاديث بطرقها المختلفة لا تخلو من كذاب أو متهم بالوضع كما بين ذلك السيوطي في رسالته الإغضاء عن دعاء الأعضاء . انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 2/27 .
وسئل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن قول النووي :[ وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له هل أراد بطلانه وكيف يقول الولي العراقي له أصل ؟
والجواب : إذا قال المحدث لا أصل للحديث الفلاني فمراده أنه ليس له طريق يعتمد لا أنه لم يرو أصلاً ، وحينئذ فإن كان النووي اطلع على الحديث وعرف شدة ضعفه وأن طرقه لا تخلو من شخص نسب إلى الكذب والتهمة بالكذب فالمراد بقوله لا أصل له أنه ليس بصحيح ولا حسن فيحتج به ولا ضعيف يصلح للعمل به في فضائل الأعمال وإن كان لم يطلع على طرقه التي أشرت إليها في تخريج أحاديث الأذكار فلا يضره لأنه ليس فيها ما يصلح للعمل به لا منفرداً ولا منضماً بعضه إلى بعض، وقول من قال: له أصل إن أراد به كونه ورد مع قطع النظر عن صلاحيته للعمل فمسلَّم ولكن لا يرد على النووي وإن أراد له أصلاً يعمل به فمردود .
وقال ابن حجر في شرح العباب فيما نقله عن بعضهم: فقول سائر المتأخرين إن تلك الطرق ضعيفة يعمل بها في الفضائل مردود، وهو كما قال: وغاية أمر تلك الطرق أنها شديدة الضعف والحديث إذا اشتد ضعفه لا يعمل به في الفضائل ولا في غيرها كما اقتضاه كلام المجموع في باب صلاة النفل، وبذلك صرح السبكي ثم حيث قال: وفي ابن ماجة كان ﷺ يصلي قبل الجمعة أربعاً لا يفصل في شيء منهن وهو ضعيف جداً لا يصلح الاحتجاج به وقد نقل العلائي وغيره الاتفاق على أن شرط العمل بالضعيف أن يكون الضعف غير شديد.
قالوا: فيخرج من انفرد من كذاب ومتهم به ومن فحش غلطه وقد علمت مما ذكرناه أن جميع روايات هذه الأدعية لا تخلو عن كذاب ومتهم به وحينئذ فقد بان صحة ما قاله المصنف – أي النووي – العلم المفرد الإمام أدام الله به وله النفع والرفعة على الدوام ورد ما اعترض به عليه ] المصدر السابق 2/29 .
هذا بالنسبة للأدعية أثناء الوضوء ، وأما بالنسبة للتسمية في أول الوضوء فأكثر أهل العلم على أنها سنة قال الإمام النووي :[ قد ذكرنا أن التسمية سنة وليست بواجبة فلو تركها عمداً صح وضوءه هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء وهو أظـهـر الـروايـات عن أحـمد وعنه رواية أنها واجـبـة ] المجموع 1/346 .
وقد ورد في التسمية عند الوضوء عدة أحاديث ولكنها ضعيفة وقد ذكر الإمام النووي بعضها ثم قال :[ وأسانيد هذه الأحاديث كلها ضعيفة،وذكر البيهقي هذه الأحاديث ثم قال:أصح ما في التسمية حديث أنس أن النبي ﷺ وضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال :( توضؤوا باسم الله قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه والقوم يتوضؤون حتى توضؤا من عند آخرهم، وكانوا نحو سبعين رجلاً ) وإسناده جيد واحتج به البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وضعف الأحاديث الباقية ] المجموع 1/344 .
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن تكلم على أسانيد تلك الأحاديث :) والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً ( الـتلـخيـص الحبير 1/75
وقال الحافظ المنذري ) ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة والله أعلم ) الترغيب والترهيب 1/164 ، وأيد كلامه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 88
وأما الدعاء بعد الوضوء فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال :( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) رواه مسلم . انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/472 . وفي رواية للترمذي بزيادة ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) تحفة الأحوذي 1/150 . وقال الشيخ الألباني عن زيادة الترمذي : حسن . صحيح الترغيب والترهيب ص 94