يقول الدكتور محمود عكام:
في يوم عرفة وبعده في صباح يوم العيد وكذلك في اليوم الثاني والثالث وربما في الرابع أيضا يتداول الناس فيما بينهم سؤالين بصيغ متعددة،
أولهما: هل ضحيت؟ وهل ستضحي؟ وما شابه،
وثانيهما: هل حج هذا العام أحد من معارفك؟ هل هتف من هناك قريبك الحاج؟ هل تنوي الحج العام القادم؟… وما قارب.
سبحان الله، ما أجمل هاتين الكلمتين: التضحية والحج! هكذا قلت في نفسي، وهكذا رددت وأنا أسمع مثل هاتيك الأسئلة، وتابعت بيني وبين ذاتي حواري لأقول: لكن هذين المصطلحين غَدَوَا صورة من غير حقيقة، وأضحيا جسدا له روح ضائعة مفقودة، وأصابهما الذبول واعترتهما الكآبة، والتضحية ارتبطت باللحم المذبوح والمأكول فحسب، وضُيِّعت منها النية والعزم على متابعة الطاعة الواعية لله جل شأنه، حتى التفكير بحكمة الأضحية لم يتجاوز بعد قطعة اللحم وقد استقرت في فم الفقير، أما التصميم على التضحية بالمال والنفس لرفعة دين الله فذاك تغريد خارج السرب.
وحين نذكر الحج أيضاً فحدث عن ارتباطه فقط بالطائرة ونوعها، وبالسيارة وشكلها، وبالخيمة وفخامتها، وبالفندق وبوثارته ولا حرج، أما حقيقة الحج التي هي قصد واعد بعبودية صادقة جادة للعلي القدير فشارد عن ساحة التفكير منذ زمن غير قصير، وعلى هذين المصطلحين قس سائر المصطلحات المفصلية الإسلامية التي غدت حروفا يابسة وألفاظا ناشفة وبضاعة تباع وتشرى بالمال المشبوه.
يا نـــــــــاس..
أين التفكير الحق بالأضحية لنجعل منها دربة على الجهاد بالنفس والنفيس؟!
وأين التعمق الواعي بالحج لنصيِّر منه سبلاً إلى فهم مرحلة الحياة منطلقاً وهدفاً ومساراً؟!
وأين مجاوزة الصورة لننفذ إلى الحقيقة المطلوبة والمرغوبة؟..
لقد ضاع معناي في حيِّكم كما ضاع دهر من عمركم، هكذا تخاطبنا المصطلحات باكية نادبة!. فما جوابكم لها يا مسلمون، لا تختصموا لديها، وقدموا اعترافا أمامها، وقولوا نادمين: لقد وجمنا على الصورة وعادينا الحقيقة، ومكثنا في الشكل المشئوم وأبعدنا مركب الكسل عن المضمون البهيج. وبالله عليكم لا تقفوا في الاعتراف هنا بل عاهدوا -ولو لسانا- على الإقلاع عن الذنب الذي أنتم فيه واشهدوا -ولو كلاما- الحق المطلق أنكم تائبون، وإلى روح الإسلام آيبون، نعم. عاهدوا وجاهدوا في معاهداتكم فالله يهدي الذين يجاهدون فيه سبله ويكتبهم في سفر المحسنين.
كل عام أنتم يا أولي التضحية والحج بخير، والخير عندي: وعي قول وإحسان عمل، ومراعاة غاية، وإصابة هدف، وهل بعد الحق إلا الضلال، ولا ثالث بل لا برزخ في عالم الحق والباطل، ومن كل شيء زوجان، والمشكل الثالث نشاز. وجد للاعتبار (فاعتبروا يا أولي الأبصار).