مِن أحسن مَن تكلّم عن القلب والرُّوح والنفس والعقل الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” في شرح عجائب القلب، وقال: اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل في هذه الأبواب، ويقل في فحول العلماء مَن يُحيط بهذه الأسامي واختلاف معانيها وحدودها ومسمّياتها، وأكثر الأغَاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي واشتراكها بين مسمّيات مختلفة، ثم أخذ يتحدث عن كل منها بما موجزه:

 1 ـ القلب يُطلق لمعنيين:
أحدهما: اللّحم المعروف الذي يضُخُّ الدم.
والثاني: هو لَطيفة ربانيّة روحانيّة لها تعلق بهذا القلب الجسماني وهذه اللطيفة هي حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف، والمجازى عليه ولم يستطع أن يُدرك العَلاقة بين هذين المعنيين للقلب؛ لأن ذلك من علوم المكاشَفة التي لا تُفيد معها الحواسّ المعروفة؛ ولأنّه يؤدّي إلى إفشاء سِرّ الرُّوح الذي لم يتكلّم به الرسول فغيره أولى. وقال: إذا استعملنا لفظ القلب في الكتابة والشرح فالمراد به اللطيفة الربانيّة لا القلب العُضوي.

 2 ـ الرُّوح لها معنيان:
أحدهما: جسم لطيف منبَعه تجويف القلب الجسماني يَسري في جميع أجزاء البدن سَريان نور السِّراج إلى كل أجزاء البيت، فالحياة مثل النور الواصل للجدران، والرُّوح مثل السِّراج، وسريان الروح وحركته في الباطن لمثل حركة السِّراج في جوانب البيت، وهذا المعنى يهتمُّ به الأطباء.

والمعنى الثاني للروح: هو لطيفة عالمة مدركة من الإنسان، وهو المعنى الثاني للقلب، وما أراده الله بقوله: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (سورة الإسراء : 85) وهو أمر عجيب ربانيٌّ تعجز أكثر العقول والأفهام عن دَرك حقيقته.

3 ـ النفس: لفظ مشترك بين عدة معانٍ، يُهِمُّنا منها اثنان:
أحدهما: أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان، ويَهتم أهلُ التصوّف بهذا المعنى؛ لأنّهم يُريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان، فلابد من مجاهَدتها.
والمعنى الثاني: هي اللّطيفة التي ذكرناها، التي هي الإنسان بالحقيقة، وهي نفس الإنسان ذاته، ولكنّها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر وفارَقها الاضطراب بسبب معارَضة الشهوات سُمِّيت النفسَ المطمئنة ، قال تعالى: (يا أيّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنّة . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيةً مَرْضِيّة) (سورة الفجر: 27 ـ 28).
والنفس بالمعنى الأول لا يتصوّر رجوعها إلى الله فهي مبعثرة عنه وهي من حزب الشيطان.
وإذ لم يتمّ سكونها ودافعت الشهوات واعترضت عليها سمّيت النفس اللوامة، وإن تركت المدافعة والاعتراض وأطاعت الشهوة والشيطان سمّيت النفسَ الأمارة بالسوء.

4 ـ العقل: وهو أيضًا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم، ويُهِمّنا هنا معنيان.

أحدهما: أنّه يُراد به العلم بحَقائق الأمور، فيكون العَقل عِبارة عن صفة العلم الذي محله القلب.
والثاني: أنّه المدرك للعلوم، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانيّة المدركة العالمة.

ثم يقول الغزالي بعد ذلك: إن معاني هذه الأسماء موجودة، وهي القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانيّة والعلوم “كذا” فهذه أربعة معانٍ يُطلَق عليها الألفاظ الأربعة، ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المُدركة من الإنسان، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارَد عليها، فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلقَ لمعنيين، وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتوارُدها، فتراهم يتكلّمون في الخواطر ويقولون: هذا خاطر العقل وهذا خاطر الرُّوح وهذا خاطِر القلب وهذا خاطِر النفس، وليس يدري الناظر اختلاف معاني هذه الأسماء.
ثم يقول: وحيث ورد في القرآن والسُّنّة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقهُ من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يكنَّى عنه بالقلب الجسماني الذي هو في الصدر لأنه بينهما علاقة.
هذا ملخص ما قاله الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” لنعرف أن أي لفظ من هذه الألفاظ قد يُراد به أي معنى من هذه المعاني، وللاجتهاد مجال فيه.
والذي يهتمُّ بذلك هم العلماء النفسيُّون والتربويّون، وفي ذلك دراسات مستفيضة ومتخصِّصة وتكفي هذه النبذة لمعرفة بعض ما يتعلق بهذه الألفاظ ومعانيها.